بعد سيطرة الحوثيون على صنعاء واجتياحهم لمقرات ألوية الفرقة الأولى مدرع ، يطرح اليمنيون عدداً من الأسئلة حول مصير وموقف الحرس الجمهوري العمود الفقري للجيش ،وأكثرها تدريباً وتأهيلاً، من الأزمة التي تعصف بالبلاد .
كانت فكرة إنشاء الحرس الجمهوري في 1964 من قبل النظام الجمهوري اليمني ، بدعم من دولة مصر الثورة بقيادة جمال عبدالناصر، على أساس نموذج الحرس الجمهوري المصري، تم إنشاء الحرس في البداية وتدريبهم من قبل المستشارين المصريين والسوفيتيين.
الرئيس السابق علي صالح في منتصف التسعينات عمد الى تشكيل وتقوية وحدات عسكرية هدفها حمايته الشخصية والسيطرة على مقر الحكم في العاصمة صنعاء ، أوكل المهمة لأخيه غير الشقيق الرائد محمد صالح ، قبل أن يتحول الرائد الى لواء ويشب نجله الفتى الذي سيصبح عميدا في الجيش.
ازداد عدد أفراد الحرس الجمهوري وازدادت كفاءته ، حينما أوكل الرئيس السابق مهمة قيادة الحرس الى نجله الشاب ، العميد أحمد علي صالح ، ليصبح قابضاَ بالقوة اليمنية الضاربة ، وما تبقى من ألوية تم الزج بها في معارك استنزافية وتجفيف متعمد للتدريب والتسليح .
ما يقارب الـ 20 لواء ، أهمها الألوية التي تحيط بصنعاء ، بالإضافة الى 10 ألوية عسكرية تابعة للقوات الخاصة التي تم إنشاؤها ، بمساعدة ضباط وعرب ودعم امريكي لا محدود ، وتتميز بمراكز تدريب متقدمة ووجود مستشفى خاص مجهز بأحدث الأجهزة الطبية بالعاصمة صنعاء .
يقول مركز أبعاد الإستراتيجي أن صالح أنشأ الحرس الجمهوري كجيش موازي للجيش الوطني" وقد تم هيكلة هذه الوحدات وتدريبها وتسليحها وفق خطط أشرف عليها ضباط عرب وغربيون محترفون، ولم تدخل هذه الوحدات في استنزاف وحروب، وشاركت فقط بشكل بسيط في الحرب السادسة أثناء تقدم الحوثيين إلى منطقة بني حشيش في صنعاء والمحيطة بالعاصمة”.
اين تكمن قوة الحرس؟
تقول التقارير أن عتاد الحرس هو العتاد الأكثر تطوراً وحداثة ، عادة ما كانت الصفقات العسكرية التي يعقدها الرئيس السابق مع الدول العسكرية ، تجد طريقها الى مخازن الوحدات التي يديرها نجله ، وهو الأمر الذي عقد من الأزمة بين صالح والجنرال علي محسن الأحمر قائد الفرقة المدرعة وعدد من جنرالات الجيش الوطني.
و في أواخر العام 2010 م تم الإعلان عن صناعة مدرعات حديثة في التصنيع الحربي للحرس الجمهوري والتي سميت ب جلال1 وجلال2 وجلال3 حيث تعتبر المدرعة جلال3 من احدث المدرعات المتوسطة المصنوعة في الشرق الأوسط.
وقد استعمل الحرس الجمهوري المناطيد لعمليات تدريب القفز المظلي ويتميز تدريب افراد الحرس والقوات الخاصة عن سائر القوات بتدريباتها ، فيما كانت ألوية الحرس تمتلك دبابات تي-72 وتي-80 وغيرها، ومن المدرعات وحاملات الجنود بي إم بي-3 .
ومن أبرز الألوية التي يتشكل منها الحرس، اللواء الأول (حرس خاص) ، تم ضمهم لتشكيل الحماية الرئاسية 2012 ، اللواء الثاني حماية ومقره في صنعاء ، اللوائين 63 و83 في أرحب وبني جرموز ، اللواء الثالث مدرع، واللواء 72 مشاة سفيان صعدة ، اللواء الرابع مدرع صنعاء ، اللواء 22 مدرع تعز .
الحرس الجمهوري وانتفاضة 2011م
شاركت وحدات من الحرس الجمهوري الى جانب الرئيس علي عبدالله صالح في قمع الإنتفاضية الشبابية والقبائل التي ساندت الساحات ، لكن وحدات عسكرية أخرى انضمت الى القوات الموالية للثورة في محاربة صالح .
وفي اكتوبر من 2011م قال قائد الفرقة الأولى مدرع الذي اعلن انضمامه للإنتفاضة الشعبية مع العديد من قادة المناطق ، قال بأن 7 ألف جندي من "الحرس الجمهوري" والوحدات الأمنية الأخرى قد انضموا إلى القوات الموالية للثورة اليمنية.
وكان محيط صنعاء ساحة القتال الأعنف الذي خاضته وحدات الحرس الجمهوري في دفاعها عن ما وصفت حينها بشرعية الرئيس صالح ، حيث اشتبكت قبائل أرحب ونهم وبني جرموز المؤيدتين للثورة مع ألوية الحرس الجمهوري المرابطة بالمكان.
واتهم أبناء القبائل ما وصفوها بالحرس العائلي حينها باستهداف منازلهم ومنابع المياه ، مشيرين الى العشرات قتلو في قصف الحرس الذي استخدم فيه قذائف الدبابات ومدافع الهاوزر والهاون عيار 160 وصواريخ الكاتيوشا بالإضافة الى غارات الطيران الحربي .
في 21 نوفمبر 2011 م اقتحم قبائل أرحب معسكر اللواء 63 مشاة التابع للحرس الجمهوري في مديرية نهم(70 كم شمال شرق العاصمة صنعاء، فيما كشف تقرير حقوقي عن مقتل أكثر من 200 وجرح 800 بينهم أطفال ونساء على قبائل ارحب وبني جرموز.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش ، انها وثقت 37 حالة احتجزت خلالها قوات الأمن – بما في ذلك الحرس الجمهوري وجهاز الأمن القومي والحرس الرئاسي الخاص – أشخاصا لأيام أو أسابيع أو شهور من دون اتهام.
وقال 22 من المحتجزين السابقين إنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة بما في ذلك الضرب والصعق بالكهرباء والتهديدات بالقتل أو الاغتصاب ووضعهم في الحجز الانفرادي لأسابيع أو شهور.
واتهمت منظمات حقوقية قائد الحرس الجمهوري في مدينة تعز جنوب البلاد ، مراد العوبلي ، بالتسبب في قتل العشرات من المحتجين السلميين والمدنيين ، اثر القصف العشوائي على المدينة واقتحام معقل المحتجين وسط المدينة أو ما عرف "بمحرقة ساحة الحرية".
كما خاضت وحدات من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التابعة لنجل الرئيس صالح ، معارك محدود في حي الحصبة وسط صنعاء ، مع قبائل موالية لشيخ قبيلة حاشد واللواء علي محسن قائد ما سمي حينها بالجيش المؤيد للثورة .
الحرس في عهد الرئيس هادي
تسلم الرئيس هادي مقاليد السلطة في البلاد في فبراير من العام 2012 عقب المبادرة الخليجية التي انهت الأزمة السياسية بين المكونات السياسية الموالية لإنتفاضة الشباب وحزب الرئيس السابق .
وفي ابريل من العام التالي اصدر هادي قرارات بإزاحة العميد أحمد علي ، واللواء علي محسن الأحمر ، وعمار صالح وكيل جهاز الأمن القومي ، وطارق صالح قائد اللواء الثالث ، أحد أقوى ألوية الحرس ، عتاداً وتسليحاً .
وبالرغم من إعلان هادي الغاء الحرس الجمهوري والفرقة الأولى ، وتحويلها الى قوات الإحتياط اليمني ، الا ان قوات الحرس الجمهوري ظلت تدين بالولاء لسلطة الرئيس عبدالله صالح ونجله خلال فترة الرئيس هادي ، بسبب السياسات الخاطئة التي مارستها قيادة وزارة الدفاع والرئيس هادي تجاه قيادات الوحدات العسكرية .
ويوضح تقرير لمركز أبعاد أن ” طريقة تعامل الرئيس هادي مع هذه القوات باعتبارها ملكا للرئيس السابق أضرت كثيرا بقدرات هذه الوحدات، حيث عمد على تفكيك بعض وحداتها، وتهميش بعض قادتها، وسحب امتيازات مالية كثيرة كان قائد هذه الوحدات نجل الرئيس السابق يغدق بها عليهم”.
في 6 أبريل 2012 قام الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي بمحاولة لتغيير قائد اللواء الثالث التابع للحرس الجمهوري طارق محمد عبد الله صالح، أدى لتمرده 65 يوما، حركة التمرد قد أدت في نهاية الأمر إلى وضع حد لها يوم 7 يونيو من كتائب أخرى تابعه للحرس الجمهوري تمكنت من نزع سلاح المتمردين والسيطرة على اللواء.
في 6 أغسطس من 2013 أعلن الرئيس هادي قرارا بإعادة هيكلة قوات الجيش ، قضت القرارات بنقل ثلاثة ألوية تابعة للحرس مع قوات أخرى من الجيش إلى قوة جديدة تدعى تشكيل الحماية الرئاسية والتي تكون تحت الإشراف المباشر من رئيس الجمهورية.
وتم نقل لوائين آخرين من الحرس إلى المناطق العسكرية الجنوبية والوسطى، و كردة فعل لمحاولات إعادة هيكلة الجيش، تظاهر حوالي 200 جندي بالسلاح من أفراد "الحرس الجمهوري" أمام مبنى وزارة الدفاع بصنعاء، مما أدى إلى انتشار قوات من الجيش خشية محاولة اقتحام المبنى.
رصاص الخيانة والإختراق
يورد تقرير لمركز أبعاد للدراسات عدة أسباب لجعل العديد من ضباط الحرس الجمهوري يقفون في صف جماعة الحوثي المسلحة ، اهمها ضعف العقيدة القتالية التي تسبب بها الرئيسين هادي وصالح.
يضيف و " كما ان الرئيس هادي خلق ولاءات شخصية له داخل بعض هذه الوحدات، فأصبحت أكثر تشتتا وبعدا عن العقيدة الوطنية للجيش اليمني وتتنازعها استقطابات الحوثيين وهادي وصالح".
يشير ايضا الى نوع من حالة الإنتقام والعداء التي ولدتها الحرب مع القبائل في 2011م بنفوس قادة وحدات عسكرية في الحرس، يضيف" ولذا ظلت معارضة للانتقال وعرقل بعض قادتها مشروع الهيكلة، لكن ذلك لم يكن السبب الرئيسي لدعم الحوثيين للانتقام من ثورة الشباب ".
رئيس جهاز الأمن القومي وفي مقابلة صحفية عقب سقوط العاصمة بيد مسلحي الحوثي ، أرجع سقوطها بلمح البصر إلى "خيانات واختراق في هذه الوحدات بدأ من معركة الاستيلاء على محافظة عمران, وأكد أن هادي أعطى توجيهاته للوحدات العسكرية التي تم الاعتداء عليها بالدفاع عن نفسها ومنها من صمد ومنها من تهاوى".
وقالت مصادر مطلعة ان ضباط موالين للرئيس السابق شاركوا الحوثيين في مهاجمة مقر اللواء 310 مدرع بعمران في نهاية العام 2013م ، بالإضافة الى اجتياح العاصمة صنعاء وقصف مقر الفرقة الأولى مدرع في وسط صنعاء .
وتشارك وحدات من قوات الحرس الجمهوري بالإضافة للجان الشعبية لجماعة الحوثي في المعارك المستمرة في محافظة البيضاء وسط البلاد ، وشوهدت عربات عسكرية وهي تدخل المدينة في العاشر من فبراير الجاري .
يضيف التقرير " تظل وحدات ما كان يعرف بالحرس الجمهوري هي الوحدات العسكرية التي لم تتعرض للانهيار، لكن الإستقطابات فيها اثرت على عقيدتها، فأصبحت متعددة الولاءات بعد اختراق واضح لها من قبل الحوثيين".
وبالرغم من أن ترك قيادات موالية لصالح في الجيش لجنود من هذه الوحدات تدعم الحوثيين لإسقاط نظام هادي املا بعودة صالح ونجله، إلا ان بعض المحسوبين على هذه الوحدات أصبحوا أكثر ولاء للحوثي من صالح.
انهيار الجيش الوطني
بات اليمنيون اذن بلا جيش وطني ، ربما تشبه الحالة اليمنية نظيرتها العراقية ، حيث تم تدمير الوحدات العسكرية الوطنية ، وبقيت الألوية التي تدين لأشخاص أو مناطق ، وهذا ما يهدد الدولة بالإنهيار .
يقول أبعاد انه لم يعد هناك جيشا وطنيا بعد 21 سبتمبر من العام 2014، وكل ألويته في المناطق الشمالية والغربية والتي كانت مرهقة في صراعاتها السابقة مع الحوثيين فيما عرف بالحروب الست سقطت في يد الحوثيين بعد اجتياحهم لقيادة الدفاع المركزية في العاصمة صنعاء مؤخرا، وإن كانت هناك وحدات في الشمال لم يتم السيطرة عليها لكنها محاصرة وممنوعة من التحرك.
وأضاف" هناك وحدات في بعض المناطق الوسطى وصل الحوثيون إليها وهي ضعيفة تسيطر على تحركاتها وحدات ما يعرف بالحرس الجمهوري سابقا، وهناك وحدات في المناطق الشرقية والجنوبية بعيدة عن تحكم الحوثيين، لكنها تتعرض للاستنزاف وقد تنهار جراء الهجمات المستمرة عليها من القاعدة وبعض المحسوبين على الحراك الجنوبي المسلح وبعض المسلحين القبليين".
استسلام الجائفي
تطرح التساؤلات بقوة عن مصير ، قوات الإحتياط ، وموقف قائد القوات ، اللواء علي بن علي الجائفي ، خاصة بعد الأنباء التي تؤكد تعيين نائباً له من الحوثيين ، والإستجابة لمطالب الجماعة بتجنيد أعداد كبيرة من أنصارها .
تشمل قوات الإحتياط ، مجموعة الصواريخ و العمليات الخاصة و تشكيل الحماية الرئاسية ، تم إنشائها بقرار جمهوري في 19 ديسمبر من العام 2012م، وكانت مقر قيادة الحرس الجمهوري المنحل.
على المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء تتمركز هذه القوات ، ويقع مقر القائد العسكري المثير للجدل ،وما تزال الأنباء متضاربة حول سيطرة الحوثيين عليه ، الا ان مصادر مؤكدة تشير الى تحول جوهري في موقف الجائفي الذي ظهر في الصف الأول أثناء بث الحوثيين لإعلانهم الدستوري .
أثناء اندلاع المعارك بين رجال القبائل ومسلحو الحوثي ، كان الجائفي مبعوث هادي ، الرئيس المستقيل ، لإخماد الحرب المشتعلة في أرحب وهمدان ، ورصدت تصريحات قوية أثناء ترؤسه للجنة الوساطة في همدان ، حيث اتهم في مارس من العام المنصرم جماعة الحوثي بعدم الإلتزام بالإتفاقيات وأعلن انسحابه من رئاسة اللجنة .
وجاء في بيان الإنسحاب" الحوثيون لم يلتزموا بالتعهدات والاتفاق الذي تم بل كان منهم التوسع في مناطق أخرى والسيطرة على مواقع ومرتفعات عدة ونصب عددٍ من النقاط الجديدة بما يشكل تهديداً مباشراً وواضحاً للعاصمة واليمن الجديد وتنسف مخرجات مؤتمر الحوار الوطني".
في مقابلة صحفية مع موقع وزارة الدفاع ، قال ان الجيش اليمني ليس مؤهلاً ومدربا وأردف" بعد ثمان الى عشر سنوات من الآن ان يذهب كل الجيش للتقاعد، اننا نريد جيش وطني نوعي محترف، ومثل هذا الجيش يتطلب نفقات كبيرة لاتستطيع الدولة تلبيتها".
وعقب استقالة الرئيس هادي ، رضخ الجائفي لضغوطات الحوثيين ، وهو الذي لم يتدخل أثناء مهاجمتهم على دار الرئاسة ومعارك ما قبلها، ووافق على تجنيد 500 مسلح من جماعة الحوثي في معسكر ضبوة، الذي يقع مقابل معسكر 48، ويتبع قوات الاحتياط كما .
فتح أبواب معسكراته للجان الثورية ، ودخل العشرات منهم الى مقر القيادة ، للقيام بمهام رقابية وإدارية ، فيما توزع مسلحون الى جانب الحراسة في النوب وعلى المداخل ، في خطوة وصفت بأنها استسلام من غير مواجهة لأبرز القادة العسكريين .
مستقبل التشكيل الأهم بالجيش
شاهد كاتب التقرير عدة مدرعات عسكرية تتبع ما يسمى بالحرس الجمهوري سابقاً ، تقوم برفع صور الرئيس الأسبق علي صالح ، ونجله العميد أحمد ، الذي ما يزال يحظى بحضور لدى بعض الوحدات العسكرية نتيجة أسباب تم ذكرها مسبقا .
وفي وقت لاحق تم تعيين أحد قيادات انصار الله الحوثيين ، قائدا لعمليات قوات الإحتياط ، خلفا للعقيد الركن محمد المطري ، فيما باشر القائد الجائفي بصرف سيارة وعربتين عسكريتين من خزينة المعسكر ، في خطوة لاقت استياء الضباط والجنود الذين يرون القائد الجديد رجل غير كفء وغير مؤهل وقادم من خارج التشكيلة العسكرية .
وبهذا التعيين الكبير تكون جماعة الحوثي قد دشنت أولى خطوات التنازع مع الرئيس السابق ونجله في سباق مع الوقت ، حول من يبتلع "الإحتياط" أولاً ، ومن يتحكم في إنزالها الى الشارع ، مع ولاء عميق من ضباط الوحدات للعميد أحمد ، وتعيينات وسيطرة للبعض الأخر من قبل أنصار الله الحوثيين .