قال الشيخ القبلي لطفي سالم بن سعدون الصيعري الناطق الرسمي لمجلس شورى قبائل الصاعر بحضرموت أن انتصار عدن، وتكسر آلة الحرب الهمجية لجحافل الحوثي وعفاش، على أسوارها شكلت بداية سقوط المشروع الحوثي السياسي الفاشي إلى الأبد، الذي يهدف للهيمنة والتسلّط والحكم على كل أرجاء اليمن، والجنوب، وحضرموت كمرحلة أولى، ثم الجزيرة العربية كمرحلة ثانية، حسبما صوّرته لهم أحلامهم، وخططوا له، وأعلن عنه صراحة أسيادهم عبدالملك الحوثي، وعلي صالح، والعديد من قياداتهم.
وقال الصيعري في حديث خاص لـ»المدينة» إن هذا المشروع يشكل نزعة فاشية للحكم، وبناء الرايخ الحوثي الشيعي، على غرار الرايخ الألماني الذي بشر به هتلر وخطط له وسعى بكل ماأوتي من قوة لتحقيقه على أرض الواقع، خلال ما يقارب من عشرين عامًا، وأغرق في سبيل تحقيقه ألمانيا وأوروبا، وكل دول العالم في بحور من الدماء، وأهلك الحرث والنسل، والاقتصاد العالمي، وتسبب في مجاعة مئات الملايين من البشر، وبلغت ضحايا حروبه المدمرة في الشرق والغرب والشمال والجنوب أكثر من 70 مليون قتيل، وأضعاف أضعافهم من الجرحى، إضافة إلى ستة ملايين قتيل ألماني. ولكنه في الأخير انتحر في أحد جحور برلين المظلمة، بعد أن سحقت المقاومات الشعبية، وقوات الحلفاء آلته العسكرية الهائلة، وجيوشه الجرارة، ودخلت برلين منتصرة في 9 مايو 1945م، بعد خمس سنوات عجاف من الحروب والدمار والقتل عاشتها أوروبا وألمانيا وبقية العالم.
عفاش ومشروع الرايخ الحوثي الشيعي
وبيّن الصيعري أن مشروع الرايخ الحوثي الشيعي في اليمن يقوم على ثقافة القوة والغطرسة. وهي نفس الثقافة التي تشربها هتلر وأوصلته، والرايخ الألماني إلى الهزيمة الماحقة. فلقد نشأت فكرة المشروع منذ وصول علي صالح إلى السلطة، في نهاية السبعينيات. حيث تشرّب بثقافة القوة منذ مرحلة الصبا، وانعكست وترسَّخت هذه الثقافة في وجدانه، وهو يتدرَّج سريعًا في سلّم القيادة في القوات المسلحة الجمهورية، ذات الهوية القبلية، ودون مراعاة لمبادئ الضبط والربط العسكري المتعارف عليها في تشكيل الجيوش الوطنية. حتى أوصلته إلى سدّة الحكم، الظروف الاستثنائية للحرب الإمامية الجمهورية، وما أعقبها من تسويات سياسية هشة بين المتوكليين والجمهوريين، أنتجت اصطفافات أسرية قبلية عسكرية وسياسية، تحكّمت في مسارات التسوية، ومنظومة الحكم الجديد. ومنذ وصوله إلى السلطة اعتمد بامتياز على سياسة براجماتية في التعامل مع خصومه، وعمل على تصفيتهم وقضمهم، وضربهم ببعضهم البعض؛ حتى وصل إلى تهجينهم جميعًا. وأصبحت كل التيارات والمكوّنات القبلية والسياسية والعسكرية المتفرخة بكثرة والمتصارعة تناحريًّا فيما بينها، طوع بنانه، ومنقادة لرغباته دون منازع، بعد تطويع كل القيادات بالترغيب وبالترهيب. وبعد أن هيمن بصورة مطلقة على شطري اليمن ويضمه خانعًا لسلطته، وبعد ذلك بدأ يرنو بأنظاره لقضم بعض الأراضي السعودية المجاورة وصولاً للأراضي المقدسة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، واستكمال مشروع الرايخي الحوثي الشيعي في عموم اليمن والجزيرة. وأوجد اجتياح صدام للكويت، وتحضيرات حرب الخليج، الفرصة السانحة لداهية اليمن وثعلبها الماكر عفاش للإفصاح عن نواياه، وبعد هزيمة صدام، وتحرير الكويت، وسقوط أحلام صالح في الوحل. ترتب على موقفه هذا، تدهور العلاقات في كافة المجالات بين اليمن ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وتم محاصرة اليمن اقتصاديًّا، وقطع المساعدات عنها، ونكاية بالسعودية، دفع عفاش بإنشاء تنظيم «الشباب المؤمن» في عام 1991م في بعض مناطق محافظة صعدة بقيادة حسين الحوثي، وبإيعاز من والده بدر الدين الحوثي، بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائهم، وأوكل إليهم زعامة الحركة الحوثية كمعبر عن طموحات الزيدية السياسية لقيادة اليمن والهيمنة عليه، وإخراج مشروع الرايخ الحوثي إلى العلن، والتي لا يستطيع هو الإفصاح عنها تكتيكيًّا في تلك المرحلة. وكان يتم تنفيذ هذا المشروع برعاية سرية مباشرة منه في حينها، وبدعم من الحكومة نفسها، وكان أول أهدافها التصعيد ضد السلفية السنية التقليدية، بزعامة الراحل مقبل بن هادي الوادعي التي لا يبعد مركزها بدماج سوى بعض الكيلومترات عن الحوثي، والعمل على إخراجها من صعدة مركز الحاضنة الزيدية الحوثية، وكذلك إضعاف نفوذ كل أهل السنة الذي تصاعد في اليمن بعد الوحدة، وبما يؤدّي الى هيمنة الحوثية السياسية على كل جغرافية الجمهورية اليمنية. وبمبررات إحداث التوازن في التركيبة الطائفية الزيدية السنية حسب زعم عفاش والحكومة اليمنية.
صالح الراعي الأول للإرهاب
وبعد حرب 94م بين الشمال والجنوب بدأ حلم الرايخ الحوثي يتشكل بقوة في مخيلته، ويدغدغ مشاعره. ممّا دفعه لتقديم دعم أكبر لتنظيم الشباب المؤمن بقيادة الحوثي، ورعاية صعوده المتنامي، والتنسيق مع إيران لتقديم الدعم السخي للتنظيم، على حساب تقليص الحجم السياسي والشعبي لحزب الحق، والذي يمثل حينها الطائفة الزيدية المعتدلة، الذي خرج عنه حسين الحوثي من قبل. ويرى بعض المراقبين أن كفة تيار الحوثي بدأت في الرجحان بعد تدفق الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة إلى اليمن، والذي كان في بداية الأمر دعمًا فكريًّا أكثر منه ماديًّا، ممّا أدّى إلى معارك فكرية عدة بين الشباب المتشيع وشيوخ المذهب الزيدي، الذين أصدروا حينها بيانات التبرؤ من تنظيم الشباب المؤمن.
مسرحية الحروب الخمس
ولزيادة قدرات هذه المليشيات بشريًّا وتسليحيًّا وتدريبيًّا وتوسيع الحاضنة الشعبية لها في الأوساط الزيدية، وحتى في المناطق السنية في الوسط والجنوب، التي عانت من ظلم الحكومات المركزية في صنعاء، ولإبرازها أيضًا إقليميًّا ودوليًّا كحركة مضطهدة تتبنى مطالب وحقوق المستضعفين في صعدة وما جاورها من المناطق الزيدية، فقد أوعز المخلوع للحركة الحوثية لخوض مسرحيات الخمس حروب مع الجيش اليمني، على مدى يزيد قليلاً عن أربعة أعوام، بدءًا من 2004م وحتى 2008م، حيث كانت الحركة تخرج فيها منتصرة دائمًا، وتستولي على المعدّات العسكرية الضخمة التي يخلفها الجيش اليمني في انسحاباته الدائمة، وقد روى الكثير من الضباط والجنود المشاركين في هذه الحروب وخاصة الجنوبيين، المهازل العسكرية التي حدثت. وأوصلت هذه الحروب الوهمية الحوثيين إلى أبواب صنعاء. وعندما أحس صالح بأن عقد الشراكة بدأ ينفرط مع شركائه التقليديين من الزيدية السياسية (علي محسن وآل الأحمر) نتيجة لوقوفهم حجر عثرة أمام تحقيق مشروعه لتحقيق الرايخ الحوثي بقيادته، فقد بدأ بمهاجمة معارضيه، والعمل على تقليص نفوذهم، وحصتهم في الثروة والحكم، وارتفعت حدة الصراع بينهما حتى وصلت إلى تحشيد القيادات وكوادر الدولة والأنصار العسكريين والمدنيين والقبائل التابعين لكلا الطرفين وإنزالها إلى الشارع منذ يناير 2011م، وحينها زرع صنيعته الحوثيين في أوساط معسكر خصومه الذين ابتلعوا الطعم. ثم انتقل الصراع إلى المواجهات العسكرية، التي توجت بمحاولة اغتيال صالح، ثم الوصول إلى المبادرة الخليجية التي أرغمت المحروق صالح على التنحّي، وانتخاب هادي رئيسًا في 21 فبراير 2012م، الذي عمل على إعادة هيكلة الدولة والجيش في غير مرضاة صالح. ونتيجة للإجماع الشعبي والإقليمي والدولي ضد استمرار صالح في تصدر المشهد السياسي، فقد دفع بالحوثيين لتصدر المشهد، وتسليم عبدالملك الحوثي القيادة العلنية لمشروع الرايخ الحوثي بدلاً عنه. وهكذا تسلم الحوثي الراية من المخلوع، وتمرد على شركائه المؤقتين خلال ثورة التغيير، وبدأ معاركه المسلحة ضدهم بتحالف وثيق ودعم مكشوف من قوات صالح بدءًا من إسقاط دماج، ثم عمران، ثم صنعاء، ثم القصر الجمهوري، وإسقاط هادي، واعتقاله ثم اجتياح كل اليمن.
انهيار مشروع الرايخ الحوثي:
وأضاف شكل هذا المشروع الفاشي منذ ظهوره العسكري العلني في حرب صعدة 2004م، تهديدًا قويًّا للسلم المحلي والإقليمي والدولي، وتصاعد خطره منذ سيطرته على صنعاء في 2014م، وتوجهه إلى الجنوب، ومأرب لإحكام قبضته عليها. ولكن المعارك الضارية والصمود الأسطوري للمقاومات الشعبية في الضالع، وعدن، ومأرب، وأبين، وشبوة، التي تصدّت لجحافل الحوثي وعفاش لأكثر من أربعة أشهر، وكبّدته خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، قلبت ظهر المجن عليه، وأربكت مشروعه في الهيمنة على كل اليمن، والجنوب، وحضرموت، وشكّلت بداية النهاية لهذا المشروع الفاشي.
وعندما قيّض الله للمقاومين جندًا من عنده. وقامت قوات التحالف العربي بالبدء في تنفيذ عمليات عاصفة الحزم، بقيادة السعودية، ودول الخليج في 26 مارس 2015م، وبأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، دكت معاقل الغزاة، وجحافلهم في كل اليمن، وفي كل الجبهات، وقدمت الدعم التسليحي والمادي والتدريبي والإسناد الجوي للمقاومين في جبهات الجنوب ومأرب وتعز، حينها بات واضحًا أن هذا المشروع سيتعرض لهزيمة ماحقة، وسيكون في طريقه إلى الزوال سريعًا.
معركة سد مأرب بداية النهاية للفاشية الحوثية فبفضل الغارات اليومية لطيران التحالف تم دك وسحق الترسانة العسكرية لجيوش الحوثي وعفاش، وتقطيع خطوط إمداده وتدمير مراكز السيطرة والتحكم، في صنعاء وصعدة وكل أماكن حواضنه الشعبية، وكل الجبهات الملتهبة. وبفضل الدعم الهائل من قوات التحالف للمقاومين، تهيأت الظروف سريعًا لتحرير الضالع وعدن والعند، ولحج بالكامل ومعظم أبين وشبوة ومأرب. ويجري حاليًّا متابعة التحرير الكامل وتصفية بقية الجيوب في محافظات أبين وشبوة ومأرب والجوف وتعز. حيث شكّلت معركة تحرير سد مأرب، ومعركة تحرير باب المندب بداية النهاية، على طريق نقل المعارك إلى الحاضنة الشعبية لهذا المشروع الفاشي، وإسقاط مدنها واحدة تلو الأخرى، ومن ثم إسقاط العاصمة صنعاء وتطهير كامل اليمن والجنوب وحضرموت من عصابات وجحافل الحوثي وعفاش، وإسقاط مشروع الرايخ الحوثي الفاشي لعفاش والحوثي، وإلى الأبد، بفضل الله وبسواعد قوات التحالف العربي والمقاومات الشعبية تمامًا، كما أُسقِط من قبله مشروع الرايخ النازي لهتلر في الأربعينيات، وإلى الأبد بفضل الله وبسواعد قوات الحلفاء والمقاومات الشعبية. وسنسمع قريبًا عن انتحار عفاش في أحد جحور صنعاء، وانتحار الحوثي في أحد كهوف مران، تمامًا كما انتحر معلمهم هتلر في أحد جحور برلين.
وحينها سيتنفس اليمن ربيع الحرية، وتعيش نشوة النصر على أتباع ثقافة القوة والغطرسة، وإلغاء الآخر، بعد أن عانت من حجم الدمار والقتل، وأنهار الدماء والاعتقالات والجوع التي أذاقوهم إيّاها، منذ بداية نشوء مشروع الرايخ الحوثي الفاشي في مخيلة عفاش في نهاية السبعينيات، وحتى انتهاء أجله ودفنه في مزبلة التاريخ هذه الأيام -بإذن الله-.

الشيخ القبلي الصيعري : سقوط وشيك للرايخ الحوثي في اليمن

(مندب برس -المدينة)