علي الفقيه

بين حق المقاومة وجريمة التخاذل

علي الفقيه
الاثنين ، ٠٧ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٠ مساءً

لأي شعب واقع تحت الاحتلال في أي زمان وفي أي مكان الحق الكامل والمطلق في أن يقاوم المحتل بكل الطرق المتاحة. هذه قاعدة أساسية لا بد من الانطلاق منها عند الحديث عن الصراع الدائر في فلـسطين.

أكثر من ثمانين عاماً يعاني الشعب الفلسطيني القتل والتنكيل والإذلال وتمارس بحقه كل الفظائع من كيان سطى على الأرض ويحاول طمس حقائق التاريخ، وقد تم زرع هذا الكيان الغريب في عمق المنطقة ليكون أداة للقوى الاستعمارية للهيمنة على المنطقة العربية وحماية مصالحها بالنظر إلى أنها كانت يومذاك بصدد إنهاء وجودها الاستعماري المباشر وكان لا بد لها من وكيل، وهنا التقت مصالحها مع مصالح الصهاينة وحلمهم القديم الجديد.

تخلى العرب عن القضية بعد أن انصرف كل قطر إلى شؤونه الخاصة باعتبار القضية الفلسطينية "صراع إسرائيلي فلسطيني" لا يعنيهم، ويمكن لمن يتفهم قناعة الأنظمة العربية التي تخلت عن مقدساتها وعن جزء منها أن يصرف جزءً من ذلك التفهم للفلسطينيين الذين قرروا مقاومة المحتل ومناوأة هذا المشروع باعتبار أنه يعنيهم بدرجة أولى.

ما حدث في 7 اكتوبر لم يكن نقطة بداية انطلاق المقاومة ولا اختراعاً جديداً، وإنما حلقة في سلسلة طويلة ممتدة عبر أكثر من ثمانية عقود ومرت بأطوار شتى وشاركت فيها أجيال عدة من الفلسطينيين، وكل مرحلة كان لها ملامحها الخاصة، وعلى مر الانتفاضات كان المقاومون يتلقون لوماً من قطاع واسع ممن لا يرون جدوى في المقاومة ويصفون كل عملية بالتهور غير المحسوب.

وبالنظر إلى حركات المقاومة عبر التاريخ فإن سمتها الرئيسية هي التهور وتجاوز الحسابات المادية البحتة، ولو لم تكن تملك هذه الخاصية لما ولدت حركات المقاومة أساساً، فلو فكر أول من أطلق حركة المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي بفارق القوة المادي والثمن الذي يمكن أن يدفعه الشعب الجزائري (مليون ونصف المليون شهيد) لما أطلق رصاصة واحدة ضد واحد من أعتى الجيوش في العالم ولَبقيتْ فرنسا تتعامل مع الجزائر كجزء أصيل من أراضيها إلى اليوم.

قوة الحق والإيمان بهذا الحق هي أمضى وأعتى سلاح يملكه المقاومون للاحتلال في أي أرض وفي أي زمن..

دفع الشعب الفلسطيني، ولا يزال يدفع، ثمناً باهضاً وهو يخوض معركته من أجل الحرية في مواجهة آلة الدمار الهائلة التي يملكها الكيان باعتباره "قاعدة عسكرية" متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية والنظام العالمي الجديد، ومع ذلك لا يمكننا أن نلقي اللوم عليه وإنما نلقي اللوم على نظام عالمي يرتكب مجازر بحق المدنيين ويشكل غطاء وإسناد وشرعنة لـ "إرهاب الدولة" الذي يمارسه الكيان.

لسنا معنيين بتقييم نتائج المواجهة واحتساب النصر أو الهزيمة بالآلة الحاسبة، على طريقة صاحب الدكان، في مواجهة من هذا النوع وإنما بقدرة المقاوم على مواصلة معركته.

تخلى النظام العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية وذهب نحو تصفيتها بما يتوافق مع ما يعتقد أنها مصالح تخص كل بلد على حدة فمنهم من ذهب للتطبيع بدون ثمن، وآخرون في الطريق مع اشتراطات قابلة للالتفاف عليها، وإذا كنا نملك الشجاعة فإن علينا توجيه اللوم لأنظمة لديها من المقومات ونقاط القوة ما يمكنها من إيقاف هذه المجازر على الأقل وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للمقاوم الفلسطيني كما يفعل الغرب في رعايته الكاملة للكيان. كما أن حضور النظام العربي الرسمي إلى جانب حركات المقاومة الفلسطينية سيسد الطريق على أطراف إقليمية لها مطامع في المنطقة من استغلالها كما تفعل إيران.

2024 هو عام من مسيرة كفاح ونضال ممتدة على ثمانين عام، كان فيها المشهد كالتالي: صـهـ ـيوني يقتل ويدمر ويبني مشروعه على أنقاض شعب، وعربي يتفرج ويزايد، وفلسطيني يقاوم ويموت وينبعث من بين التراب مثل طائر الفينيق ليقاوم من جديد ويصنع الحياة بطريقته الخاصة.

*المصدر أونلاين

شريط الأخبار