مما اتذكره، في الحرب السادسة من حروب صعدة في العام 2009، كان الجنرال علي محسن صالح مرتديا زي المحارب وسلاحه بالقرب من منطقة الملاحيط شمال البلاد، مستقبلا احدى القوافل الاجتماعية قادمة من محافظة عمران لإبداء تأييدها ومباركتها لجهود وبطولات جيشنا الجمهوري الباسل في مواجهة شرذمة التمرد السلالية التي تتخندق في بعض مناطق صعدة الباسلة والعزيزة.
وقف الجنرال مرحبا بالقادمين شاكرا لهم ما قدموه من اسناد وتضحيات، وكان مما قاله لازلت اتذكره جيدا:
هذه العصابة الحاقدة كلما رأت اليمن استقرت وتوحدت وحاولت النهوض، (نبع) من بين أفرادها من يدعي الإمامة، هؤلاء هم امتداد للامامة التي انتهت بقيام النظام الجمهوري حيث استعاد الشعب من خلاله قراره ومصيره.
عاهد الجنرال ضيوفه والشهداء أن لا تخاذل ولا نكوص حتى الحسم، والعمل على رفض مساعي انقاذ الامامة التي كانت تظهر في الحروب السابقة فجأة كلما أوشك الجيش على الحسم.
لم يكن الرجل يتحدث آنذاك ترويجا للاعلام او خطابا للتوجيه المعنوي، يكن هناك اساسا بعثة تصوير مرافقة للقافلة، كان حديثه خاصا، فقط أتذكر أنه تم توثيقها بجوال الفقيد الراحل محمد حزام الصعر رحمه الله.
كان الجنرال ورفاقه من ابطال الجيش يحاربون في صعدة دفاعا عن صنعاء التي كانت نخبتها وحكامها وأحزابها يمارسون ما اسماه الجنرال مؤخرا (تفريط وأحقاد وخيانات).
ولأنها كانت كذلك فعلا لم يطول الامر كثيرا، اذ وصلت السلالة صنعاء وحاصرتها، وخلال معركة صنعاء تهيأ للناس محسن هو سورها الاخير وبوابتها الوحيدة!!
أمر لافت خروج الجنرال هذه المرة عن المألوف في تهنئته البروتوكولية بعيد اليمنيين الاعظم، لقد تحدث لأول مرة بهذه اللهجة عن أحداث كان هو في القلب منها.
من خارج السلطة والمناصب يبعث الرجل وصية وخلاصة ذكرى سقوط صنعاء العاشرة مشددا على ما أسماه :
(ضرورة أخذ الدروس والعبر من أحداث الماضي، وفي مقدمة تلك الدروس، وضع اعتبار الحفاظ على اليمن وجمهوريته ومصالحه العليا فوق كل الاعتبارات والمصالح).
يحدد جنايات الساسة بوصفها:
((لحظة غفلة وتغافل من قوى اليمن الحاكمة والمعارضة، وتباينها السياسي المتجرد من الالتزام بأية ضوابط وثوابت وطنية، وفي ظل تفريط وأحقاد وخيانات)).
لأول مرة يسمي ماحصل في صنعاء باسمه الحقيقي (تمكين) تم ((بإمضاء مختلف القوى والمكونات، بحيادٍ أو ضعفٍ أو انحيازٍ أو صمتٍ واضح)).
وعن معركته الاخيرة قبل الانهيار وصفها بقولة:
((نفذنا مهمةً عسكرية وطنية، في العام 2014م، بمن تبقّى من الفرقة الأولى مدرع بعد اعتزالنا العمل العسكري لعام ونصف ...
لم تكن معارك تخص شخصٍ بعينه أو فئة بعينها، أو خصومات وملفات للاستغلال، كما روّج لذلك المُبْطلون؛ بل كانت المواجهة والإقدام والتضحية لأجل أحلام الأمة اليمنية وخوفاً من مصير مجهول يرتقبها إذا انكسرت سارية العلم الجمهوري)).
كل عام وانت والجمهورية بخير يا ابو محسن، وللبلاد الكرامة وللشعب الانتصار والإمامة إلى زوال ..
ثق ان شعبنا يحفظ جميل رجالاته الأفذاذ.