لم تنقض ايام العيد وتبادل التهاني واستعراض صور العيد حتى غرقت صفحات اليمنيين بالتعليق على مقولة الصحفي اليمني لدى قناة الجزيرة والمقيم في سلطنة عمان : ان الجمهورية هي أسوأ نظام عرفته البشرية.
ليس ولن يكون النمري آخر او اول من يقول هذه الجملة.
لم يقل النمري هذه الجملة بعد دراسة مستفيضة لتاريخ النظم السياسية مثلاً. ولا قالها في ندوة حول الفلسفة السياسية.
قالها بعد زيارة عمل إلى مناطق سيطرة الحوثي والعودة إلى مقر إقامته في سلطنة عمان.
والإنسان لا يخرج في تفاعلاته من البيئة المحيطة به وما تسوره من عناصر ومعطيات. فهو تنقل بين فضائين لا اكثر احدهما سلطاني بالمعنى التاريخيّ للكلمة والآخر سلطة امر واقع ثيوقراطية وكليبتوقراطية.
ليس منتظر منه ان يقول غير جملته أعلاه.
سبق ليمنيين يحنون إلى الامامة والملكية إقطاعيات السلاطين ان قالوا بمثل هذا الكلام الإطلاقي.
وسبق ليمنيين يبحثون عن التجلة ورزق الموائد بعد ان انتقلوا إلى ممالك النفط المجاورة لليمن ان قالوا بمثل هذا القول. كل كلام يتموضع في سياقه.
يمكن للفرد في لحظة نزق ان يشكك باكثر الأشياء بداهة او ان ينسلخ من جلده ثم يبرأ من نوبة الغضب والحماقة ويعود إلى رشده ان اراد.
جملة النمري تستحق الوقوف عندها لأمرين.
اولا ان النمري صحفي. وهو صحفي خلقته بلهوانياته ومهارته والتقنيات الحديثة ووسائل التواصل. وربما لم يتدرب على كل فنون الصحافة او يشحذ قلمه لمرافعات صحافية وفكرية ويخوض غمار العمل الصحفي المتعدد والشائك وادير بالتقدير.
وبهذا فهو تمرس على أسلوب واحد في الصحافة الحديثة هو أسلوب الفقاعات الاعلامية تلك التي تجلب الجلبة والانتباه والتفاعلات. ومن حقه ان يكون نجماً وان يكون له جمهوره. لقد نجح في خلق فقاعة صغيرة عيدية. الحقيقة ان له من اسمه نصيب.
الثاني ان الأوضاع في اليمن تقتضي التفكير مليا في شكل وقيم الجمهورية والالتفات الحقيقي لمهددات هذه المثل الإنسانوية التي تتضمنها النزعة الجمهورية.
زيارة واحدة إلى صنعاء دفعت بصحفي معروف في الأوساط الصحفية وعالم الميديا إلى اصدار حكم مطلق حول تاريخ البشرية. مهنة الصحفي عينها هنا هي موضع التساؤل. لا اقصد النزاهة المهنية- فلهذه شأن آخر إذا نظرنا إلى مؤسسة عمله وسياساتها المتقلبة تجاه اليمن- انما القدرات العقلية على الحكم والتدبر والقياس واستنباط الاحكام والتقديرات.
هناك من يقدم نفسه حاميا للجمهورية على نحو مؤسسي واقصد به الحكومة الشرعية وهناك من يقدم نفسه غيورا فكريا وثقافيا وأيديولوجيا على الجمهورية. وعلى هؤلاء تقع مسؤولية النهوض بالوعي الجمهوري.
على الحكومة الشرعية ان تجسد قيم الجمهورية في سلوكها وتبث الحس الجمهورية بالأداء. ان تستحضر الجمهورية رمزيا في الخطاب وعمليا في المؤسسات.
في آخر ثلاث كلمات للرئيس العليمي عادت مفردة الجيش الوطني بعد غياب طويل. واخيراً حضر في الأذهان وسام جمهوري هو وسام سبتمبر.
لكن المحك الحقيقي لتجسيد قيم الجمهورية يكون في المسلك المحتكم للوائح والبناء المؤسسي واحترام القانون.
وقد ناتي في وقت لاحق على الدور المناط بالمثقفين والكتاب وارباب الأقلام.
*من صفحة الكاتب على منصة إكس