موسى عبدالله قاسم

"الذَرَّة الحمراء" تلتهم البشر؟!

موسى عبدالله قاسم
السبت ، ٠١ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٠٠ صباحاً

 

من يصدق أن هذه المقولة الغريبة كان يتداولها الناس في عزلة الأكروف بمديرية شرعب السلام حتى وقت قريب، إذ كان كبار السن يتحدثون عن أن أسرة عريقة كانت تقطن قمم جبال المنطقة في زمن غابر، وبسبب دعوة "الصوفي" وهو رجل دين ينتمي للهاشميين في اليمن فقد أرسل الله عليهم "الذَرَّة الحمراء" والمقصود هنا بالذرة الحمراء هي النمل ذات اللون الأحمر حيث كانت هذه النمل ونتيجة لتلك الدعوة ووفقا لأساطيرهم تأتي على أفراد هذه الأسرة وما أن تقرص أي عضو من جسده حتى ينهار الجسد ويتفكك وتتساقط أعضاؤه من قدم ويد وساق ثم يفارق الحياة، وكأن هذه النملة نملة نووية في عالم اليوم وليست مجرد حشرة عادية، لكنه الجهل، بل ذهب ببعضهم للقول أن بعضا من هذه الأسرة الذين هاجروا إلى خارج اليمن هروبا من ذلك المصير وتحديدا بعض النسوة اللواتي أرسلن بعضا من ظفائرهن إلى المنطقة التي هاجرن منها وما أن وضِعت تلك الظفائر على أطلال منازلهم حتى أنهالت عليها النمل وأحالتها إلى رماد.

هذه الأسرة هي أسرة شماخ الخزرجي الحميَري التي أنتمي إليها وينتمي إليها غالبية سكان الأكروف اليوم والمقسمين إلى عدة فروع منهم بني ناصر ويرجع نسبهم إلى ناصر صلاح شماخ وبني جعفر ويرجع نسبهم إلى جعفر محرم شماخ وبني سيلان ويرجعون إلى سيلان شماخ وتُشكل هذه الأفخاذ العشائرية نسبة كبيرة من سكان ومواطني عزلة الأكروف والمنتشرين في غالبية قراها.
وأثناء قراءتي لبعض الوثائق التاريخية للأجداد أو ما يعرف بـ"البصائر" وجدت إحدى تلك الوثائق تعود إلى العام 1135 هجرية أي قبل حوالي ثلاثمائة عام، هذه الوثيقة تم بموجبها شراء أرض من قبل الجد السابع محمد جعفر محرم شماخ لإبن عمه الشيخ محسن محمد شماخ في منطقة نخلة التابعة للأكروف ومن أعمالها وقتذاك، وعلى ما يبدو أن فرع محسن محمد شماخ لم يبقَ في الأكروف بل غادرها إلى بلاد أخرى، وبكل تأكيد لم تقضِ عليهم "الذَرَّة الحمراء" كما حاولت السلالة الهاشمية غرس تلك المفاهيم في عقول الأميين في المنطقة، بل ربما بحثا عن حياة أفضل.

وكنتيجة للجهل الذي اصطبغت به اليمن خلال القرون الماضية فإن مثل هذه الخرافات كانت متداولة ومُصدّقة بين العامة بشكل مخيف، والجدير ذكره هنا أن الهاشمية بشقيها الزيدي والشافعي كان لها مغزىً من نشر مثل هذه الخزعبلات وهو إيهام الناس بأن دعوتهم مقبولة وليس بينها وبين الله حجاب، وأنهم أولياء الله في أرضه، ولذلك فقد برعوا في نسج مثل هذه الأساطير والحكايا التي تفتقر لأدنى منطق، لكن الأميّة والقصور المعرفي في المجتمع كان له دوراً في رواج وتوارث مثل هذه القصص المصطنعة الهادفة لكسب الولاء والطاعة والخوف من دعوة "الأولياء" عليهم كونهم يتمتعون بقوة خفيّة ومدعومون من السماء.

هذه الأساطير للأسف لا تزال متوافرة اليوم بكثرة في مناطق شمال الشمال التي سلمت وأسلمت أمرها "للسيد" وهي صفة للهاشميين الوافدين عند المذهب الزيدي يماثلها "الصوفي" عند المذهب الشافعي، ومن المؤسف أن مثل هذه الأساطير والخرافات لا تزال تنطلي على أبناء اليمن الأقحاح في شمال الشمال في القرن الحادي والعشرين نتيجة للجهل الذي لا يزال يعشعش في عقولهم، وإلا كيف يمكن ليمني قحطاني أن يذهب لقتل أخيه القحطاني في مدينة أخرى تلبية لأمر "السيد" وإرضاءً لرغبته، متخليا عن روابط الدم والنسب، ودون أن يردعه في ذلك وازع من دين أو ضمير من أخلاق؟

"الذَرِّة الحمراء" النووية وثقافتها لابد لها أن تزول، وعلى كل ذي لُبٍّ أن يستخدم عقله ويضع كل فعل يرتئيه على طاولة المنطق، حتى يتبين له خيط الحق والصدق والصواب الأبيض من خيط الكذب والدجل والشعوذة الأسود، وفي حال تم ذلك فلن تجد الهاشمية الدخيلة على اليمن أي منفذ يمكِّنها من الإيغال أكثر في قتل اليمنيين وتجهيلهم وتحويلهم إلى وقود لحروبها المستمرة منذ ألف عام من الآن ويزيد.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)