2019/12/07
حزب المؤتمر بعد عامين على مقتل صالح .. انقسام وتشظي يخدم الحوثيين (تقرير)

انقضى عامان على مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، على يد حلفاءه الحوثيين، بعد تحالف وثيق مكّن الحوثيين من الاستيلاء على الدولة، ومقدراتها، وبسط سيطرتهم على أغلب الجغرافيا اليمنية، قبل أن تندلع حرب شاملة، بتدخل إقليمي، تفضي إلى ما يمكن اعتباره أكثر أزمة معقدة ومأساوية في تاريخ حروب المنطقة. ففي 2 ديسمبر 2017، وجه الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، أنصاره بالتمرد على الحوثيين، والخروج بما أسماها "ثورة"، ضد الكهنوت، لكن دعوته تلك كانت متأخرة جدا، فالحوثيون كما تبين لاحقا، كانوا قد وضعوا نصب أعينهم مثل هذا التحول من قبل "صالح"، لذلك استعدوا له، حتى إذا ما جاءت دعوته، كانوا هم يحاصرونه في مربع أمني لا يتجاوز بضعة كيلومترات في العاصمة صنعاء. فخلال فترة تحالف صالح، نجح الحوثيون في استمالة عناصر فاعلة داخل البنية الحزب التنظيمية، هذه العناصر -  بحسب قيادي في حزب المؤتمر تحدث لـ"المصدر أونلاين" - نجحت في إيجاد هوة فعلية بين "صالح" وبين قاعدة الحزب الجماهيرية، ما أتاح للحوثيين فرصة كسب وتنظيم قواعد الحزب وكثير من قياداته الوسطية وما دونها، وإلحاقها بالمسيرة الحوثية. بداية التشظي عند الحديث عن تشظي حزب المؤتمر، لا بد من العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب، وتحديدا، بعد تنازل الرئيس السابق عن السلطة، لنائبه عبد ربه منصور هادي، في 27 فبراير 2012، بموجب المبادرة الخليجية، وبالرغم من أن هادي يعتبر من قيادات حزب المؤتمر أيضا، إلا أن صالح تحول بقطاع واسع من قيادات الحزب إلى ما يشبه المعارضة لتعطيل التوافق الناجم عن المبادرة الخليجية، وبدأت تظهر علامات الانقسام، بين قيادات الحزب المؤيدة للرئيس هادي، والمرحلة الانتقالية، ومخرجات الحوار الوطني، والأخرى المؤيدة للرئيس السابق، مع الإشارة إلى أن صالح احتفظ بقوة الحزب الجماهيرية، بينما هادي حظي بدعم قيادات الحزب السياسية، وكان في مقدمتهم على سبيل المثال، عبدالكريم الإرياني، وآخرين. وازدادت أزمة الانقسام داخل حزب المؤتمر تعقيدا، بعد انطلاق عاصفة الحزم، في 26 مارس 2015، بدعوة من الرئيس عبد ربه منصور هادي، حيث كان من الواضح أن "صالح" يدعم بقوة انقلاب الحوثي، وظهر في أحد خطاباته متحدثا عن منفذ وحيد لقيادة الشرعية للفرار، ما جعل الرئيس هادي، والمملكة العربية السعودية يضعانه في خانة واحده مع الحوثيين، وأصبح صالح فعليا حليف عسكري للحوثيين، داعما إياهم بكل العتاد والقيادات العسكرية الموالية له، وبالتالي أصبح هدفا للتحالف. موقف صالح دفع بالعديد من قيادات حزب المؤتمر ذات الثقل إلى الانحياز للرئيس هادي والشرعية، كنائب رئيس الحزب، أحمد عبيد بن دغر، ورشاد العليمي، ومحمد بن ناجي الشايف،، وقيادات أخرى آثرت الحياد، كالشيخ سلطان البركاني، والذي انحاز لاحقا للشرعية، واختير رئيسا لمجلس النواب بتوافق القوى السياسية. مقتل صالح مع انطلاق موجة الربيع العربي في عدد من الدول العربية، واليمن من بينها، نجا حزب المؤتمر الشعبي العام من مصير نظراءه في مصر وتونس، ذلك بفضل صيغة التسوية التي أشرنا إليها أعلاه (المبادرة الخليجية)، وظل المؤتمر يمارس دور الحاكم والمعارضة في آن، إلى أن نجح الحوثيين في ابتلاعه، وتصفية صالح وأمين عام الحزب عارف الزوكا، لتبدأ مرحلة هي الأكثر خطورة في تاريخ الحزب منذ تأسيسه في 24 أغسطس 1982، وفي تاريخ اليمن أيضا. فبعد تصفية صالح، شرع الحوثيون بحملة واسعة لقمع قيادات وأعضاء الحزب، ممن كانوا يدينون بالولاء لصالح، وملأوا السجون بهم، كما قاموا بملاحقة وتصفية مشائخ قبائل وقيادات عسكرية وغير عسكرية، بينما اضطر الكثير من قيادات الحزب وممثليه في مجلس النواب إلى الفرار، البعض منهم انحاز للشرعية والبعض الآخر لم يحدد موقفا حتى اللحظة، بينما رضخ أغلب قيادات الداخل وأصبحوا جزئا من صيغة حزبية أُعيد تشكيلها بنظر الحوثيين. وبالنظر إلى طبيعة المرحلة التي أعقبت مقتل صالح، يتضح أن قوة الحزب كانت تتمثل في شخصه، وبمجرد مقتله، أصبح حزب المؤتمر الشعبي العام في الداخل ضعيفا وقياداته غير قادرة على تحريك قواعده، أو توجييها، وبعد ذلك أصبح الحزب، وأنصاره أمام واقع جديد، تتجاذبه قيادات وأجنحه تمثل توجهات وأجندة مختلفة، وربما متضاربة.

جناح الرياض سياسيا تتركز قوة المؤتمر الشعبي العام في القيادات المؤيدة للشرعية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فالكثير من القيادات الكبيرة في المؤتمر تساند الرئيس والشرعية، بما تمثله هذه الشرعية من أهمية نظرا لاعتراف العالم بها. ويتواجد قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام المؤيدون للشرعية، في العاصمة السعودية الرياض، ولهم مواقف منسجمة مع قرارات الشرعية والتحالف وبقية القوى الوطنية، وأبرز قيادات هذا الجناح، نائب رئيس الحزب، أحمد عبيد بن دغر مستشار رئيس الجمهورية، والشيخ سلطان البركاني أمين عام حزب المؤتمر المساعد، رئيس مجلس النواب، ورشاد العليمي ومحمد بن ناجي الشايف، وأحمد الميسري وعدد آخر من قيادات الحزب، بما فيهم العشرات من أعضاء مجلس النواب. جناح صنعاء وفي مقابل الكتلة السياسية الكبيرة المؤيدة للشرعية، والمتواجدة في الرياض، هناك كتلة سياسية آثرت البقاء في صنعاء، وانحازت لخيار الحرب إلى جانب الحوثي، بل وتماهت مع خيارات وأجندة الجماعة الانقلابية، وتقلص الفارق بين الخطاب السياسي، لحزب المؤتمر وجماعة الحوثي، باستثناء بعض الإشارات والبيانات الباهتة التي تحاول إيصال رسالة مفادها أن الحزب لا يزال يحظى باستقلالية في صنعاء. بعد قرابة الشهر من مقتل علي عبدالله صالح، رئيس حزب المؤتمر، وأمين عام الحزب عارف الزوكا، عقدت قيادات الحزب المتواجدة في صنعاء، اجتماعا انتخبت فيه صادق أمين أبو راس رئيسا للحزب خلفا لصالح، وهو الاجتماع الذي رفض قيادات الحزب المؤيدين للشرعية الاعتراف به، أو بنتائجه، لأن القيادات التي شاركت فيه بحكم الإقامة الجبرية من قبل الحوثيين، وفق الجناح المؤيد للشرعية، بينما حظي الاجتماع بمباركة جناح "أبو ظبي". ويتصدر جناح حزب المؤتمر الشعبي في صنعاء، إلى جانب صادق أمين أبو راس، كلا من عبدالعزيز بن حبتور، رئيس الحكومة المشكلة من قبل الحوثيين وحزب المؤتمر، وهي حكومة لا تحظى باعتراف دولي، وكذا يحيى الراعي، الذي ظل يمارس مهامه كرئيس لمجلس النواب، في صنعاء، بالإضافة إلى حسين حازب، وعدد من قيادات الحزب. وبالرغم من محاولات الحوثي، التخفيف من حدة نتائج أحداث ديسمبر التي انتهت بمقتل صالح، من خلال تطبيع العلاقة مع القيادات المؤتمرية في صنعاء، إلا أن انتهاكات الجماعة بحق أعضاء وقيادات وكوادر المؤتمر وممتلكاته لم تتوقف، في مقابل عجز قيادات جناح صنعاء عن وضع حد لها، بل إنها فشلت في استعادة جثمان صالح، وهو ما اعتبره البعض معيارا لمكانة وثقل تلك القيادات وموقعها في سلطة الانقلاب. بهذه القيادة الضعيفة – قيادة جناح صنعاء -  ضمن الحوثيون استمرار سيطرتهم على قواعد الحزب الجماهيرية، ما منحهم مخزون بشري، ومساحة للعمل التنظيمي، وفعلا خلال العامين المنصرمين، كان هناك موجة نزوح جماعية لقواعد المؤتمر نحو جماعة الحوثي، وصار الكثير من القيادات الميدانية وخصوصا في المناطق الشمالية يدينون بالولاء لزعيم الحوثيين أكثر من ولاءهم لحزب المؤتمر.

جناح أبو ظبي ومن نتائج مقتل صالح، ظهور جناح ثالث في حزب المؤتمر، يضم القيادات المتواجدة في أبو ظبي، وفي القاهرة أيضا، وعلى رأسهم نجل الرئيس السابق، أحمد علي عبدالله صالح، المشمول بالعقوبات الأممية، كأحد المعرقلين للتسوية السياسية في اليمن، إلى جانب قيادات مهمة، كالأمين العام المساعد للحزب، أبو بكر القربي، وحمود الصوفي، ويحيى دويد وآخرين. ويظل جناح أبو ظبي، هذا أكثر اجنحة الحزب ضبابية في موقفه السياسي إزاء الأحداث التي شهدتها اليمن، بالرغم من أن أحمد علي هو المتصدر له، فمن خلال الأحداث التي شهدتها البلاد منذ مقتل صالح، إلا أن جناح أبو ظبي، بدا أقرب لجناح صنعاء الانقلابي، منه إلى جناح الحزب المؤيد للشرعية. ووصل مستوى الانسجام بين جناحي صنعاء وأبو ظبي، ذروته، بإصدار قيادة الحزب في صنعاء، قرارا بتعيين "أحمد علي صالح" عضوا في اللجنة الدائمة للحزب، في مطلع أكتوبر 2018. ولم يصدر عن أحمد علي أي موقف تجاه هذا القرار، بل تزايدت التصريحات (من قيادات جناحي صنعاء وأبو ظبي"، التي تضع هذه الخطوة في سياق المساعي المبذولة لتوحيد حزب المؤتمر وحمايته من التشظي، وتوج ذلك بمطالبة مؤتمر صنعاء برفع العقوبات عن نجل صالح. أحمد علي لم يصدر أي موقف أو اتهام صريح لجماعة الحوثي بعد قيامهم بتصفية والده، وظل صمته يحسب لصالح الانقلاب الحوثي، هو وعدد من قيادات حزب المؤتمر المتواجدين في أبو ظبي، والتي بدورها وفرت لهم سهولة الحركة والإقامة على أراضيها، بل والتواصل مع قيادات الداخل المؤيدة للانقلاب. وظل جناح أبو ظبي، متصلبا في موقفه من الرئيس هادي والشرعية، ولم يصدر أي موقف مساند لها، أو للقرارات الدولية، وهو ما يعكس حجم التخبط والتيه الذي يعيشه الحزب، وكيف أن الحزب كان ضعيفا بعد مقتل صالح.

محاولات فاشلة التباين الظاهر داخل حزب المؤتمر، وحالة الانقسام والتشظي، بدت واضحة، ما تسبب في شل الحزب، وعرقلة أي محاولة لإعادة لململته، ودفعه لاستعادة نشاطه السياسية والاضطلاع بدوره الوطني. فحزب المؤتمر كما يعرف الجميع، يعتبر أكبر الأحزاب اليمنية، لكنه اليوم يبدو مشلولا، نظرا لحالة الانقسام التي تعصف به، بالرغم من أنه فعليا حزب سلطة، فرئيس الجمهورية هو أحد قيادات الحزب، كما أن عدد كبير من قيادات الدولة المدنية والعسكرية ينتمون إليه. وخلال الفترة الماضية، كان هناك العديد من المحاولات لتقريب وجهات النظر وردم الهوة بين جناحي أبو ظبي والرياض وقيادات الحزب ككل، إلا أنها فشلت، وكان من أبرز تلك المحاولات، اجتماع جدة الذي تم برعاية سعودية، أواخر يوليو 2019، وقد انتهى الاجتماع دون تحقيق توافق حول الشرعية، وحول الكثير من القضايا محل الانقسام، إضافة إلى محاولات كثيرة وجهود يبذلها سفراء عدد من الدول الكبرى للم شمل حزب المؤتمر ودفعه إلى استئناف نشاطه السياسي ضمن الخارطة السياسية اليمنية. وخرج هذا الانقسام إلى العلن، عبر سجال حدث قبل أشهر بين بعض قياداته، على سبيل المثال، النقد المتبادل بين الشيخ سلطان البركاني، وأبو بكر القربي، وكلاهما يشغل منصب أمين عام مساعد للحزب، حيث انتقد البركاني محاولات القيادات المؤيدة للشرعية انتزاع قيادة الحزب من مؤتمر صنعاء، وهو ما يؤكد ما ذكرناه سابقا من أن جناح أبو ظبي أقرب لجناح صنعاء المؤيد للحوثيين ويتماهى معه.

انقسام المؤتمر خدم الانقلاب وبعد قرابة خمس سنوات من الحرب الطاحنة التي تعصف بالبلاد، وبعد عامين على مقتل صالح، يبدو أن مشروع الانقلاب، ومشروع اللادولة، هو المستفيد الأكبر من الانقسام داخل أكبر الأحزاب اليمنية. فالحوثيون استفادوا من هذه الحال، بالمؤتمر بالنسبة لهم ميدان لكسب المقاتلين والأتباع، وصناعة مجتمع حرب طائفي، يقدس فكرة الولاية المزعومة، في مقابل أيضا، نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي في استقطاب الكثير من قيادات حزب المؤتمر وقطاع من قواعده في الجنوب، واستمالتهم لتأييد مشروعه الانفصالي. كما بدت الخارطة السياسية اليمنية، ضعيفة نوعا ما بغياب الطاقة الكاملة لحزب المؤتمر، وانقسام قياداته، فالمؤتمر بلا شك حزب كان له ثقله، وبقاء جزء كبير من قياداته، فضلا عن قواعده الجماهيرية مختطفة لصالح الحوثيين، يمثل خسارة وطنية، تستلزم جهودا جبارة لدفع تلك القيادات لردم الهوة بينمهم. ويحتاج المؤتمر الشعبي العام، لتوحيد صفوفه، حتى يتمكن من استعادة دوره، والدخول في تحالفات مصيرية جديدة، يعوض من خلالها ما خسره بتحالفه مع الحوثيين، فالمؤتمر اليوم أمام اختبار صعب، يتطلب إرادة وقدر كبير من المسؤولية لتجاوز المرحلة وسحب البساط من تحت القيادات الواقعة تحت رحمة الكيانات الطارئة شمالا وجنوبا.

أصوات خارج الأجنحة وفي خضم حالة الانقسام هذه، برزت أصوات مؤتمرية تنادي بضرورة إنهاء حالة الارتهان التي تبدو عليها قيادات الحزب في العواصم الثلاث "صنعاء – الرياض – أبو ظبي"، مؤكدة أن المؤتمر لن يستعيد مكانته إلا بمقاربة تصغي لصوت الشارع، وتنحاز لفكرة الدولة. وتنتقد هذه الأصوات بشكل ضمني حالة الاستلاب الذي يبدو عليها جناح أبو ظبي، كما تتهم قيادات الحزب في صنعاء، بالخيانة والتماهي مع قتلة صالح، في الوقت الذي تنتقد قيادة الشرعية، وترى في ضعفها وعجزها سببا في استمرار الصراع. وأبرز هذه الأصوات هو القيادي عادل الشجاع، عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهذه الأصوات، تمثل جناحا رابعا، برؤية مختلفة، تعد مؤشرا إضافيا على ما وصل إليه المؤتمر من انقسام وتباين في وجهات نظر قياداته.

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://www.mandabpress.com - رابط الخبر: https://www.mandabpress.com/news58906.html