2015/02/22
"مندب برس" أول وسيلة إعلامية في مقر اللواء القشيبي ..تحقيق مصور لعمران في قبضة الحُكام الجدد

"يتحكمون بكل شيء في المدينة منذ دخولهم ، نهبوا كل شيء حتى تلك الشجرة في معسكر القشيبي باعوها حطباً بـ3000 ريال".

بهذه العبارة استقبلنا مالك ورشة نجارة في مدينة عمران، التي سيطر عليها الحوثيون و كانت ساحة لأعنف المواجهات بين القوات الحكومية ومسلحو الجماعة العام المنصرم وامتدت لأشهر .

الطريق الى عمران

صورة للباص الذي انحرف على خط السير 

كانت الساعة التاسعة صباحاً حينما تحركنا من العاصمة صنعاء ، أقلتنا إحدى سيارات الأجرة ، في شمال صنعاء ، من جولة عمران ، اتجهنا نحو المدينة التي تبعد 50 كم شمال .

خط اسفلتي صغير يربط صنعاء بمحافظات عمران وحجة وصعدة ، ترى على يسارك باص نقل كبير قد خرج عن الخط ودهس اثنين من أبناء احدى مناطق همدان القبلية" وبلطف من الله سلم الركاب جميعهم وعددهم يتجاوز الأربعين راكباً كانوا عائدين من المملكة السعودية " ، يقول احد من سألناهم عن تفاصيل الحادثة .

عند مغادرتك لنقطة الأزرقين العسكرية تكون قدماك قد تجاوزت العاصمة ، في هذه النقطة يوجد عناصر للحوثيين وعناصر للأمن المركزي التابع للداخلية ، بالإضافة الى دبابات مطلة على التباب المجاورة تابعة للجيش ، يظهر الإحباط والإنهاك على المناوبين فيلوحون بأيد منهكة بالمرور .

مناطق قبلية على طول الطريق تغيب فيها الدولة ،  تدير شؤونها بنفسها ، فيما ترى سيارات "الشبح" الحكومية على متنها مسلحون ينتمون لجماعة الحوثي يمشقون الطريق بسرعة البرق في طريقهم لصنعاء وبعضهم عائدين منها .

تستقبلك نقطة اخرى عند مدخل عمران كتب عليها شعارات الجماعة المعروفة ، ومطلية باللون الأخضر ، يستقبلك الجنود بوجوده شاحبة ، ما يلبثون ان يؤشرون لك بالسماح بالمرور .

آثار معركة وصمود قائد

 

يتكيء على دراجته النارية وهو يشاهد بذهول حال أقوى معسكرات الجيش ومركبة للمليشيا تمر من أمامه

 

آثار المواجهات العنيفة التي شهدتها المدينة العام المنصرم ما تزال بادية على المنازل والمحلات التجارية ، المواجهات التي استمرت لأكثر من خمسة أشهر ، عقب قيام مسلحي الحوثي بمساندة من وحدات عسكرية موالية للرئيس الأسبق بفرض حصار خانق على المدينة ومقر اللواء 310 مدرع من مختلف المداخل .

أوقفنا سائق دراجة نارية لنستفسر منه  عن معسكر اللواء 310 مدرع ، بوسط المدينة ، أخرج تنهيدة عميقة ، علق عليها أحد الصحفيين المرافقين في الرحلة ، بأنها نبعت من بحر حزين ، "معسكر القشيبي - الله يرحمه - من هنا" أجاب الرجل ثم أدار دراجته ورحل .

 ما يزال العميد في الجيش والذي قتل أثناء سقوط المدينة بيد الحوثيين في يوليو المنصرم يحظى بحب كبير من شريحة واسعة في هذه المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة ، كما يؤكد أغلب من قابلناهم صدفة في الزيارة .

القشيبي قال في المواجهة حينها "سأقاتل ومعي كل الشرفاء أفراد اللواء 310، رغم أني لا أستطيع الحركة، لكني لن أخون شرفي العسكري، والقسم الذي عاهدت به الله ثم الوطن على حماية الشعب وسلامة أراضيه".

لطالما تحدث الكبار والصغار وحتى قاتليه أيضا الذين مزقوا جسده بأكثر من 70 طلقة رصاص ، وصفوه بأنه رجل شجاع .

واصيب القائد العسكري البارز في الحروب التي خاضها الجيش مع الحوثيين بين عامي 2004 و2010، وقاد المعارك منذ مايو من العام 2014م في مدينة عمران ومحيطها وسط غياب كامل لدعم الوية الجيش بصنعاء والتي أدارت ظهرها له .

وعادة ما يريط محللون وخبراء عسكريون بسقوط اللواء  وبين استيلاء الحوثيين على صنعاء والإنقلاب على السلطات الرئاسية والبرلمانية والحكومية ، حيث استغرقت الفترة التي أسقطت فيها العاصمة نصف الوقت الذي قاوم فيه افراد اللواء وتكبد فيها الحوثيون خسائر فادحة .

في مقر اللواء 310 مدرع

ذهبنا الى مقر اللواء 310 مدرع ، الذي كان يُعَدّ أقوى ألوية المنطقة العسكرية السادسة، ويحوي نحو 40 دبابة، فضلاً عن عشرات المدرعات، والأطقم العسكرية، وحاملات صواريخ الكاتيوشا، جميعها سيطر عليها الحوثيون ونقلوها الى معقل الجماعة بمدينة صعدة .

لا تكاد ترى شيئاً من المعدات العسكرية الثقيلة ، سوى بقايا مركونة على الجهة اليمنى من البوابة الجنوبية ، وكأنه مكب نفايات لقطع حديدية لم تعد ذو أهمية للحاكمين الجدد .

للمعسكر بوابتين رئيسيتين ، شمالية وجنوبية ، وعلى إحدى البوابات ينتظر المئات من منتسبي اللواء والمنطقة العسكرية السادسة "الفرقة الأولى مدرعة" بزيهم المدني يصطفون في طوابير طويلة في انتظار مندوب وزارة الدفاع الذي سيوزع رواتبهم .

كان من الصعب علينا استخدام كاميرا للتصوير بسبب تواجد مسلحين يرفعون شعارات الحوثيين بزيهم المدني ، وآخرون بزيهم العسكري ، لكننا استخدمنا أكثر من حيلة لنقل الصورة كما هي في الأرض .

حينما سألتهم قالوا انهم منتظرين منذ وقت طويل ، وحينما سألنا عن إسم مندوب وزارة الدفاع ، اكتشفنا انه من أقرباء نائب رئيس هيئة الأركان واسمه "م ع المؤيد" ، وعادة ما يأتي متأخراً واحياناً لا يأتي ، كما قال احد الجنود .

وصل أخيراً وعلى متن طقم عسكري يتبع مسلحي الحوثي ، تدافع الباحثون عن رواتبهم من الجنود الى البوابة ، لكن الحراس كانوا يحملون عصي وهراوات ويمنعونهم ، قبل أن يسمحوا لهم بالدخول الى الساحة التي كانت تشهد العروض العسكرية للواء المُسرح .

بدأ مندوب وزارة الدفاع ، احد المنتمين للجماعة ، برفض التسليم ، حتى يعقلوا ، وبعد تفاوض واستجداء بدأ بالتسليم ، لكنه فعل ذلك لساعة فقط وقال انه سيغادر للغداء ،قال احد المنضمين في الطابور " هم هكذا يعاملوننا لنا أسبوع قد صرفت الراتب كله يشتوا يطفشونا ويجندوا بدلنا من أنصارهم ".

على الجهة الثانية كان رجل عجوز ، يقف وفي يده أوراق كثيرة ، قال انها معاملات استعادة راتب نجله الذي قتل أثناء المواجهات مع الحوثيين ، وقاموا بقطع راتبه ، وهو الآن يتابع بعد مصدر رزقه الوحيد لأجل 4 أيتام خلفهم الجندي الراحل.

في الطابور الطويل الذي يضم المئات ، بوجود لجنة واحدة تسلم الرواتب ، يتكئ أحد المعاقين على عكازته ، لمتابعة راتبه ، أًصيب اثناء ما كان يدافع عن مقر اللواء ، ثم عاد ليستلم راتبه بعد أن قررت اللجنة إيقاف درجة أي جندي لا يحضر الى مقر المنطقة الجديد في عمران .

لم يعد شيئاً في المعسكر الكبير ، قال أحد جيرانه لمندب برس"نهبوا كل شيء حتى تلك الشجرة باعوها بثلاثة الف ريال" ، اما احد الجنود الذي يرتدي حذاء مقطعا وفانيلة وبنطال لزي الجيش ، ققد قال انهم في انتظار أوامر الرئيس صالح للتوجه لشبوة لمحاربة القاعدة .

في الساحة بقايا عربات عسكرية ، ودشم "غرف صغيرة للجنود" ، بالإضافة الى غرف لا بأس بها ، قيل أنها لمقربين من قائد المنطقة العسكرية السادسة ، محمد يحيى الحاوري ،الذي لا يحضر للدوام في مكتبه ، حسب ما أكده لنا أحد الجنود .

في المقابل كان مندوب الدفاع ، يوزع اموال لمسلحين على أطقم عسكرية حضروا للتو ، قيل أنهم تابعون للحوثيين ويطلق عليهم "مجاميع مسلحة" ويستلمون رواتبهم شهرياً من وزارة الدفاع اليمنية.

يحمل علاقية القات ودبة الماء لخوض طوابير استلام الراتب "السور للمعسكر"

من يدير المحافظة ؟

الشارع الرئيس بالمدينة

على الطريق المؤدي للمدينة ، يستقبلك مبنى كبير ، يطلق عليه "مجمع المحافظة " وهو المقر الحاكم المحلي للمحافظة، في وسط المبنى لوحة فارغة ، كان عليها صورة الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي ، وأنزلها الحوثيون بعد تقديم استقالته في يناير المنصرم.

على أسوار المبنى الذي يطلق عليه السكان المحليون" المجمع" ترفرف رايات الحوثيين الخضر ، ويظهر العلم الجمهوري ممزقاً منحنياً كجندي عاد مطأطئ الرأس من معركة خاسرة .

يقول احد الموظفين ان المحافظ لا يحضر بشكل دائم لمقر عمله ، لكن لوحة قماشية معلقة في الشارع الرئيسي تقول ان الدكتور فيصل جُمعان يرعى مباراة كرة قدم بين مدارس المدينة التي تنتشر فيها شعارات الجماعة بشكل كبير .

فيصل جمعان هو الحاكم الثامن للمحافظة التي أنشئت حديثا في العام 1998م ، حيث تداول على حكمها ، عبدالله العذري، وعبدالله النسي ، طه هاجر ، نعمان دويد ، كهلان أبو شوارب،محمد دماج ، ومحمد شملان ، الذي لم يمض على تعيينه سوى أيام قليلة قبل أن يقدم استقالته ويقوم الحوثيون بتعيين أحد المقربين منهم بدلاُ عنه في أواخر العام الماضي.

يتحدث مصدر مطلع لمندب برس ان اعضاء السلطة المحلية وأبرزهم صالح المخلوس الأمين العام للمجلس المحلي ، التابع لحزب الرئيس السابق، والمتحالف مع الحوثيين ، قام بعمليات إقصاء ممنهجة لمدراء ادارات بالمكتب وقام بتعيين مقربين منه ومن ممثل جماعة انصار الله بالمحافظة .

تغيير هوية مدينة

الصورة للجولة الرئيسية بالمدينة يكسوها الخضرة ويافطات الجماعة .

في وسط المدينة يوجد جولة كبيرة كان يطلق عليها من قبل ، جولة الصعر ، وهو إسم لشيخ قبلي بارز قاتل الحوثيين أثناء المعارك الأخيرة الى جانب قوات الجيش وبعد انتصارهم عليه قاموا بمطاردته اثناء دخول المدينة وفجروا منزله .

قام الحاكمون الجدد بتسمية الجولة الرئيسية بالمدينة الى جولة "النصر" ، احتفاء بما يصفونه انتصارهم على الوحدات العسكرية والقبائل الموالية لها ومن بينها أسرة زعيم حاشد عبدالله الأحمر وقبائل الصعر وقبائل حرف سفيان التي يتزعمها صغير بن عزيز احد المقربين من الرئيس الأسبق .

في الجولة ذاتها وفي الشارع الرئيس تنتشر بكثافة مقولات زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي ، وشقيقه حسين بدر الدين الحوثي ، تحملها لوحات كبيرة زينت أطرافها  باللون الأخضر تغطي على شوارع يكسوها البؤس ويعتري وجوه المارة علامات الخذلان من وعود وأقوال أضحت في مهب الريح .

عند دخولنا لصلاة الظهر في أحد المساجد الرئيسية بالمدينة ، كان آثار شعار الجماعة "الله أكبر ، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام" مطبوع بشكل متكرر على جدران الجامع من الخارج والداخل ، لكنه شبه مختفي بسبب طلائه باللون الأبيض .

قال إمام الجامع رفض الكشف عن اسمه، انهم لا يتقبلون مثل هذه الشعارات الطائفية والسياسية على جدران بيوت الله ، ولهذا قاموا بإزالته ، مشيرا الى أن بعض أئمة المساجد ما يزالون يتعرضون للإعتداءات وفرض بدلاً عنهم من الموالين للجماعة التي قال انها تسعى لفرض عقيدتها بقوة السلاح.

في طرف المدينة يستقبلك استاد عمران الرياضي ، الذي حوله الحوثيون الى سجن كبير لمعارضيهم في محافظة عمران ، أو يأتون بهم من صنعاء وبعض المحافظات المجاورة ، كما تؤكد تقارير حقوقية .

في سوق القات الكبير طرف المدينة يكتظ الناس لبيع وشراء النبتة المنبهة ، من يبيعون القات هم الأكثر حركة في مدينة راكدة ، كل شيء فيها متوقف ومعطل، ولا يتواجد فيها حتى رجل مرور .

يقول احد ابناء المدينة ان السرقات انتشرت بشكل كبير ، بسبب الإنفلات الأمني الموجود ، وغياب كبير حتى لمسلحي الحوثي أو من يطلقون على أنفسهم اللجان الشعبية ، قال انهم في صنعاء وبعض المحافظات التي تشهد مواجهات كالبيضاء .

يؤكد  أن جماعة الحوثي تستلم مبالغ مالية طائلة من عوائد "محاجر سفيان"، وأسواق القات، وعائدات المياه والكهرباء والهاتف ، وكل المؤسسات الايرادية بالمدينة تقدر بمئات الملايين من الريالات.

الإسمنت لصناعة الحروب

على تبة مطلة على اللواء 310 مدرع يقع مصنع اسمنت عمران الحكومي ، المشروع الإقتصادي الأكثر استراتيجية  كان مقصد  القائد العسكري للجماعة ابو علي الحاكم بعد سقوط المدينة مباشرة.

اقتحم المصنع بمسلحيه وقام بتغيير مديره واستبداله بأحد من أنصارهم ، كما هو حالهم مع أغلب المؤسسات المالية بصنعاء والمدن التي يسيطرون عليها .

موظف في المصنع اكد لمندب برس ان جماعة الحوثي  تتحكم بالمصنع بالكامل ، وتقوم بتحصيل عوائد الأرباح من المصنع  وتستلم شهريا مبلغا يصل الى اربعين مليون ريال يمني  تستخدمه في تمويل توسعاتها المسلحة .

وذكر المصدر، أن المصنع يخضع لسيطرة الحوثيين منذ سيطرتهم على محافظة عمران في يوليوتموز الماضي، مؤكداً أنهم يستلمون مبالغ مالية طائلة شهرياً كأرباح وعائدات من المصنع.

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://www.mandabpress.com - رابط الخبر: https://www.mandabpress.com/news5324.html