2015/05/25
إذاعة كل اليمنيين" باتت "إذاعة الحوثيين"!

لم تعد إذاعة صنعاء، التي يصفها اليمنيون بأنها "إذاعة كل اليمنيين"، الملاذ الأخير لليمنيين المتتبعين لأخبار بلدهم الحالكة والدموية. صارت "إذاعة كل اليمنيين"، إذاعة الحوثيين بامتياز.

 

صحيحٌ انها اكثر انتشاراً واستماعاً في البلاد، خصوصاً بعد تدهور الكهرباء التي اصبح من النادر ان تضيء في اليمن جراء الحرب وتداعياتها، وقلة مشاهدي الفضائيات، إضافة الى النزوح الكثيف من المدن الى الارياف "حيث جمهور الاذاعة الواسع"؛ إلا ان الاذاعة العريقة لا تجلب اليوم سوى اخبار الطرف الواحد، والرأي الواحد، والمزاج الواحد. على وجه الدقة؛ حولت جماعة الحوثي اذاعة صنعاء الى صدى لقناة "المسيرة"  التابعة لها، حتى صارت مثلها، تشتم التحالف العربي بقيادة السعودية، وتدعو للحرب الداخلية التي يقودها الحوثيون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

 

فمنذ فبراير / شباط الماضي، صارت صحيفة "الثورة" الرسمية الأولى في اليمن، بخطاب حوثي بحت، مثلما كان التلفزيون اليمني الرسمي قبل قرار اغلاقه من  المؤسسة العربية للاتصالات بطلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي. أما اذاعة صنعاء فقد تحولت رويداً رويداً إلى مرآة حوثية كاملة، كما هو حاصل الآن. كل ذلك بطريقة تعصف بتقاليد النزاهة الاعلامية والحياد الاعلامي، إذ تتعامل جماعة الحوثي مع الاعلام كأداة عسكرية لا كأداة مهنية، مما أثر على الشعرة الدقيقة بين الدعاية والاعلام. وبمجرد أن يسمع المرء اذاعة صنعاء، سيجدها نسخة ممجوجة من قناة "المسيرة" التي أصبح لها تردد اذاعي ينافس اذاعة صنعاء المخطوفة من قبل جماعة الحوثيين اصلاً.. وللمفارقة، الحوثيون ينافسون انفسهم!

 

في اللحظة التي يدين فيها تحالف الحوثي وصالح التدخل العربي بقيادة السعودية  في البلد ويرونه عدواناً، يريدون بالمقابل، تحويل عدوانهم على مدن اليمن -غير الخاضعة لسيطرتهم- الى شيء عادي ومألوف. فتبث الإذاعة هذه الأيام زوامل وقصائد شعرية شعبية بشكل مكثف، تمجد زعيم الحوثيين وجهاد انصاره والجيش،  ضد من تسمهم التكفيريين والدواعش  والخونة. على ان مستمعي الاذاعة يقدمون على مقاطعتها، وبالذات من يرفضون الانقلاب،  والحرب وجنونها، جراء تكريس الاذاعة لمنطق الغلبة والسلاح وتطييف الصراع. بمعنى ان غالبية مستمعيها حالياً، هم من الذين يوافقون تحالف الحوثي وصالح، تحالف الانقلاب والتحشيد الطائفي ضد ابناء الوطن الواحد. ويقول احد الاذاعيين الموقوفين من الاذاعة، لـ"المدن"، طالباً عدم ذكر اسمه: "كنّا من ناحية مهنية نأمل ان تستوعب اذاعة كل اليمنيين، آراء المتضررين من قصف طائرات التحالف العربي، وآراء المتضررين من قصف دبابات تحالف صالح والحوثي على اليمنيين أيضاً، غير انهم قاموا بفرض وجهة نظرهم بالقوة، ومحاربتنا في لقمة عيشنا".

 

هكذا تتكشف لليمنيين عقلية الميليشيا التي لا تعترف بوجهات نظر 28 مليون يمني. عقلية تجريم الحرية والحقيقة ومصادرتهما واعتبارهما خيانة وطنية. عقلية التلفيق، والذاكرة الانتقائية، والاختلاق والتبرير، بينما غايتها شل الوعي الوطني عن التفكير الحر.

 

أروى عبده عثمان، وزيرة الثقافة في الحكومة المستقيلة، ورفضاً للانقلاب الحوثي الذي اكمل سيطرته على صنعاء في يناير (كانون الثاني) الماضي، كتبت بلغة متحسرة على حائطها في "فايسبوك": " لقد نشأت وتغذى عقلي وروحي وكل وجداني على اذاعة صنعاء، اذاعة كل اليمنيين، لكنني اليوم اصبحت لا اعرفها للأسف.. اصبحت اخشى عليها من العصبيات المتفجرة والمتناحرة، اخشى عليها من ان تتحول الى آلة للحرب والفرز والتعبئة والشحن والكراهية والتحريض". مضيفة: "اخجل ان اسمع هذه الاذاعة التاريخية وقلبي يوجعني".

 

وتعود بداية عهد اليمن مع الإذاعة في صنعاء الى العام 1946. إلا انه بحسب المراجع الاعلامية، توقف بثها إثر فشل حركة الدستور التي قام بها الاحرار اليمنيون العام 1948، ليعاد افتتاحها العام 1955، ولم تدخل هذه الإذاعة عصر التنظيم الهيكلي إلا بعد الثورة الأم على النظام الامامي وقيام الجمهورية العام 1963، وصولاً الى تقوية البث لتشمل كل أنحاء اليمن والمحيط الاقليمي، حتى استمرت لعقود هي الأبرز في تنوع وتميز موادها من بين كل الاذاعات اليمنية المحلية.

 

الثابت ان اليمن عرفت قفزة نوعية للتقاليد الديموقراطية في قطاع حرية الرأي والصحافة والاعلام منذ ما بعد ثورة 2011، حيث زادت مساحة الحرية والنقد والانفتاح على الآخر بشكل ملحوظ، فيما تجلى ذلك الخطاب في اذاعة صنعاء اكثر من غيرها. لكن الجماعة الحوثية اغلقت صحفاً وقنوات محلية، بينما يعاني العاملون في الاعلام الرسمي -ممن رفضوا الرضوخ لأوامرها– شتى أنواع القهر والترهيب.

 

وكانت منظمة "صحافيات بلا قيود" قالت انها تلقت شكوى من موظفي الإذاعة، واللجنة النقابية لنقابة الصحافيين اليمنيين في الاذاعة، تفيد بأن اللجان الحوثية قطعت مستحقاتهم  وتتضامن معهم. وفي حين اكد الموظفون انهم يتعرضون للتعسف والإكراه وفرض خط تحريري للأخبار والبرامج، يحرّض على الحرب والفتنة بين اليمنيين، قال مصدر في الاذاعة طالباً عدم الكشف عن اسمه: "ما زال بعضنا بلا مرتبات وبعضنا بلا حوافز منذ شهور"،  مضيفاً: "نعيش حالة انهيار مالي وديون متراكمة ولا احد يأبه لأحوالنا".

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://www.mandabpress.com - رابط الخبر: https://www.mandabpress.com/news10950.html