2015/05/12
«عاصفة الحزم» رسمت شخصية خليجية جديدة لها دور فعال في المنطقة العربية

أحداث ساخنة متسارعة، وتحولات دراماتيكية تشهدها منطقتنا العربية عامة، ومنطقة الخليج خاصة، قبيل انعقاد القمة الأميركية الخليجية في كامب ديفيد، والتي تأتي بعد انطلاق عاصفة الحزم وإعادة الأمل، التي أعطت للقرار الخليجي وزناً ظن البعض في ظل سياسة التسامح التي تنتهجها المملكة انه بعيد الحصول أو مستحيل.

فبعد هذا القرار الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه - بهدف إعادة الشرعية في اليمن والتصدي لمحاولات القوى الأجنبية العبث بأمن الخليج والمنطقة، بدا واضحاً أن هناك سياسة جديدة تتبلور في هذه المنطقة، هدفها تسييج القرار العربي وحماية الأمن القومي العربي، بالقوة إن لزم الأمر، ومع انعقاد القمة الخليجية في الرياض والتي عقدت في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة ولاسيما الأزمة اليمنية بدا واضحا المسار الجديد الذي ميز السياسة الخليجية ولاسيما سياسة المملكة التي تعد عمود الخيمة الخليجية، حيث يمكن القول ان هذه القمة لم تكن أبدا قمة عادية، لا بنتائجها ولا بالرسائل المختلفة الاتجاهات التي حاول القادة الخليجيون إرسالها عبر قمتهم، حتى يمكن القول انها قمة الرسائل المتعددة الاتجاهات وقمة ما بعد الحزم.

قمة الحضور الخليجي المؤثر والفاعل الجديد بثوبه الموحد والقوي ومواقفه الراسخة الواضحة
فلأول مرة منذ قيام مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 يحضر زعيم غربي هو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قمة خليجية على هذا المستوى، كما ان الاستقبال الذي حظي به هولاند في الرياض واستقبال خادم الحرمين الشريفين له يحمل في الواقع أكثر من مدلول سياسي واقتصادي، في ظل التناغم الكبير الذي ظهر مؤخراً بين السياسة الفرنسية والسياسات الخليجية، وفي أكثر من ملف ساخن، ومع أن الملف اليمني كان الحاضر الأكبر على طاولة المفاوضات، إلا أن أحدا من المراقبين لا يستطيع أن ينكر الحضور الطاغي للملف الإيراني أيضا، لاسيما في ظل سعي الإدارة الأميركية الحثيث لإبرام اتفاق مع طهران لإنهاء الخلافات حول ملفها النووي ورفع العقوبات عنها، تمشياً مع مصالح أميركية خاصة، ولذلك يمكننا القول ان مشاركة الرئيس هولاند في القمة الخليجية هذه تبدو رسالة جد واضحة إلى أكثر من طرف وفي مقدمة هذه الأطراف الإدارة الأميركية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الصفقات التجارية الكبيرة التي استطاع هولاند توقيعها مع أكثر من دولة خليجية، ولاسيما ما يتعلق منها بصفقات الأسلحة التي كانت إلى زمن قريب حكراً على الولايات المتحدة الأميركية، وباعتبار أن القمة الخليجية عقدت في ظروف استثنائية فانه من الطبيعي أن تنفرد بمواقف ورسائل سياسية استثنائية تتماشى والتطورات الخطيرة التي تمر بها الأمة العربية، والتي يجمع كل المراقبين على أنها ستغير الكثير من المفاهيم السياسية التي كانت سائدة.

ولم يفت تزامن القمة الخليجية، والحضور المميز للرئيس الفرنسي أشغالها، مع القمة الخليجية الأميركية المنتظرة، مجلة الاكسبريس الفرنسية والتي رأت أن هذه القمة الخليجية التي تسبق ما أصبح متداولاً في الإعلام العالمي ب"الصفقة النووية بين طهران وواشنطن"، في ظل الاحترازات والتحفظات التي أعربت عنها دول الخليج، إزاء الصفقة المحتملة في غياب الضمانات الخاصة بأمنها الوطني، حيث اعتبرت المجلة أن دول المنطقة ترى ضرورة توفر هذه الضمانات قبل مباركة الصفقة من عدمه، وهو ما أعلنته العواصم الخليجية وأبلغت به الإدارة الأميركية نفسها، والدول الست المشاركة في المفاوضات حول النووي الإيراني.

وفي هذا الإطار، رأت مجلة الاكسبريس، أن حضور هولاند، ولقائه مع الملك سلمان، ثم حضور القمة الاستثنائية واللقاءات المغلقة مع قادة دول الخليج الست، تمثل رسالة شديدة الوضوح وعنوانها الأول واشنطن وبدرجة أقل لندن.

بالإضافة لذلك أن زيارة الرئيس هولاند، إلى المنطقة على أساس البرنامج الذي نشرته الرئاسة الفرنسية، يكشف على الأقل توجهاً فرنسياً متزايداً لدعم "مكانتها شريكاً تجارياً مفضلاً لدى دول المنطقة".

وأضافت، أن الرئيس الفرنسي سيحاول طبعاً دعم ملف طائرة (رافال) القتالية بعد الصفقات المهمة الأخيرة، مع كل من مصر والهند ثم قطر، في انتظار دول خليجية أخرى أعربت بدورها عن اهتمامها بالطائرة الفرنسية، ولكن هولاند، سيسعى بزيارته إلى تعزيز مواقع فرنسا في المنطقة، مستفيداً من الرسائل التي توجهها دول مجلس التعاون إلى واشنطن.

ومع أن الملف النووي الإيراني ربما يكون الأكثر بروزاً في أجندة السياسة الخليجية في ظل المخاطر الذي يمثله على المنطقة، إلا أن إصرار إيران استمرار الصراع في اليمن على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2216، يجعل الرسائل الخليجية أكثر اتجاها ولها عناوين عدة، حيث يتم التعامل مع ملف الإرهاب خاصة وان إيران دولة ترعى وتدعم الإرهاب في المنطقة ومناطق شتى من العالم ولها أطماع توسعية في المنطقة.

ومع أن بعض المراقبين يعتقدون أن الرسائل الخليجية لواشنطن ربما تهدف إلى تحسين العلاقة بين الطرفين عبر بوابة الضغط الفرنسية، إلا أن هذا لا يلغي أن قمة كامب ديفيد الخليجية الأميركية مهمة جدا، وقد تكون فرصة لمناقشة سبل تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والدول الخليجية الست، وتعميق التعاون الأمني لحل الصراعات المتعددة التي تسبَّبت في كثير من المشقة وعدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إذا ما تفهمت الإدارة الأميركية المواقف والهواجس الخليجية جيداً.

ذلك أن تاريخاً طويلاً من الصداقة التاريخية المشوبة بالحذر في الفترة الأخيرة نظرا لتداعيات الربيع العربي والنوايا الأميركية تجاه المنطقة، باستثناء إيران التي لم تكن في القائمة على الرغم من أنها تعتبر من أكثر الدول خرقا لمبادئ حقوق الإنسان ودعما وتمويلا للإرهاب في العالم، من شأنه أن يزيد من تشكك صانع القرار السياسي في الخليج بالموقف الأميركي الذي بدا يتسم بالبراغماتية الواضحة في الآونة الأخيرة ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالملف النووي الإيراني، الذي يصر الرئيس باراك اوباما على توقيع اتفاق بشأنه باعتباره نصرا سياسياً له قبل نهاية ولايته الثانية، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن سياسة المهادنة التي اتبعتها واشنطن تجاه طهران، والتي يرى الكثير من المراقبين أنها ساهمت عن قصد أو غير قصد في تسليم المنطقة لإيران، ناهيك عن الموقف السلبي الأميركي تجاه الأزمة السورية على الرغم من المعاناة التي يتعرض لها الشعب السوري منذ أربع سنوات.

وعليه فإن أي متتبع لمجريات الأحداث بعين المتبصر يستطيع أن يلمس بوضوح كيف ساهمت عاصفة الحزم في إعادة التوازنات والحسابات السياسية القائمة في المنطقة من جهة رفع المعنويات العربية وفتح صفحة جديدة في المنطقة العربية باستعادة الثقة لدى الإنسان العربي وتطلعه إلى مستقبل أكثر أمنا وإشراقا، لاسيما وأنها أتت في وقت يستشري فيه الإرهاب في المنطقة بشكل غير مسبوق، وانتشار الجماعات الإرهابية المتطرفة التي أخذت أبعاداً مختلفة في عالميتها وانتماءاتها، وما سبَّبه ذلك من تهديد حقيقي وخطير للأمن والاستقرار وتشويه صورة العرب والمسلمين في العالم.

لذلك فإنه ومهما تكن نتائج قمة كامب ديفيد وتأثيرها على إعادة رَسم التوازنات والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، فإن على دول مجلس التعاون أن (تبرم اتفاقا) مع الجانب الأميركي يؤكد بأن امن دول المجلس لا يقبل المساومة عليه مع إيران كأحد نتائج الاتفاق النووي الذي سيوقع في يونيو المقبل وأهمية الوقوف بحزم أمام الأطماع الإيرانية التوسعية في المنطقة العربية التي تبدو مع الأسف عقيدة فارسية متجذرة وليست حديثة العهد، فإيران هي التي حاولت وتحاول تصدير مبادئ ما سمي بثورة الخميني وإقامة الحزام الشيعي الذي يضم العراق وسورية ولبنان واليمن، وربما دولاً ابعد أيضا، ولذا فان أي توجه أميركي جدي تجاه لجم التوسع الإيراني، سيكون مرحبا به خليجيا وعربياً وسوف يساعد على إزالة التوتر وعدم الثقة في العلاقات بين دول المنطقة ويفتح الأبواب نحو إقامة علاقات صداقة طبيعية قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وعليه فان قمة كامب ديفيد الأميركية الخليجية، يجب أن تستثمر بحسب ما أفرزته عاصفة الحزم، والتوجهات الحازمة لدول الخليج العربية، التي بدت الآن وأكثر من أي وقت مضى كلاعب أساسي وقوي في المنطقة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وليست مجرد سوق استهلاكي للسلع سواء كانت أميركية أو غيرها، فالقرار الخليجي بالانفتاح على فرنسا، وغيرها من الدول يكفي لتمرير رسالة واضحة لكل من يهمه الأمر، إن الدول الخليجية تدرك مصالحها جيداً وتستطيع ان تمارس سيادتها بعيداً عن التبعية، من منطلق الضعف، وإنما كشريك أساسي في العلاقات الدولية، في هذه المنطقة والعالم، ولذلك لا مساومة على الأمن العربي القومي.

يمكننا القول ان قمة كامب ديفيد هذه الأيام، ليست قمة المطالب العربية بمقدار ما هي قمة الحضور الخليجي المؤثر والفاعل الجديد بثوبه الموحد والقوي، ومواقفه الراسخة الواضحة، التي لا يمكن أن تساوم بأي شكل من الاشكال على أمن الخليج والأمن القومي العربي أبدا، في إطار صفقات دولية مهما كان شأنها، وأخيرا وليس آخرا فانه يمكننا القول ان عصرا خليجيا بدأ في التبلور والظهور جليا، عصرا يمهد لحضور خليجي فاعل وليس منفعلا أبدا، وان القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية، والمتناغمة مع التطور الحضاري في الخليج، باتت من القوة بحيث يحسب لها ألف حساب، سواء كان في قمة كامب ديفيد القادمة أو في أي لقاء دولي آخر.

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://www.mandabpress.com - رابط الخبر: https://www.mandabpress.com/news10037.html