من الواضح أن مسرحية "الصراع"، الذي دام لعقود بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، قد انتهت فجر اليوم الجمعة على ماهو متوقع بضربات محدودة لا أثر لها على طرفين عملا معاً لزعزعة المنطقة برمتها لسنوات طويلة، وفق ما يراه مراقبون ومحللون.
تبادل الأدوار بين الاحتلال وإيران منذ مطلع الشهر الحالي فقط، تدركك بحقيقة الصراع الممتد، الذي صُور بين الطرفين ومن خلفهما أمريكا ودول غربية تحت يافطات براقة.
في الثالث عشر من أبريل زعمت إيران شن هجوما واسعاً على "إسرائيل" (بعد أسبوعين من التهديد)، وذلك رداً على تدمير مبنى قنصليتها في دمشق وقتل ضباط بارزين في الحرس الثوري الإيراني مطلع الشهر الحالي، وقالت طهران إن الهجوم "حقق كل أهدافه" في حين أكد الاحتلال "إحباطه" وتوعد إيران وميليشياتها في المنطقة، وهو ما تم فجر اليوم (بعد أسبوع) بضربات "محدودة" لم تفصح إسرائيل عنها حتى الان.
ردود
في أحدث تصريح شكك الرئيس التركي بتصريحات إيران وإسرائيل وقال رجب طيب أردوغان، "إنه لا يمكن الوثوق بما تقوله إيران وإسرائيل"، مشيراً الى أنه "في الوقت الحالي تقول إسرائيل أشاء مختلفة، وبالمثل تعرب إيران عن وجهات نظر مختلفة، لا أحد يعترف بذلك، ولا يوجد حقاً أي بيان منطقي، حول التوترات بينهما".
وأضاف أردوغان في مؤتمر صحفي "لا أستطيع أن اقول إن هذا الشخص يقول الحقيقة فيما يتعلق بالتصريحات التي أدلت بها إيران"، مضيفاً: "ولا يمكنك أن تقول ذلك على الاطلاق بالنسبة لتصريحات إسرائيل"، وفق الفيديو الذي نشرته الجزيرة.
وفي تعليق له قال الباحث السوري فراس فحام إن "الضربة الإسرائيلية اليوم على إيران غالبا غير مؤثرة، وستتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية مطولاً عن إذلال إيران وقصفها يوم ميلاد خامنئي، وبهذا يكون رد دعائي محدود".
وأضاف فحام في تغرية على حسابه بمنصة "إكس" أن "أمريكا لعبت دورا حاسما في احتواء التصعيد بعد قصف إسرائيل للسفارة الإيرانية في دمشق من خلال قنوات تفاوضي ضمنت من خلالها ردود متبادلة رمزية غير مؤثرة".
وتابع: "ستكون جائزة إسرائيل عدم عرقلة هجومها على رفح بل ودعمه، بالمقابل مكافأة إيران ستكون إعفاءات من العقوبات وتقليص التضييق عليها، وربما عودة مفاوضات النووي بعد نجاح بايدن مجددا".
وقال فحام في تغريدة أخرى: "لم يعد التشكيك بروايتي إيران وإسرائيل حكرا على المحللين البُسطاء أمثالنا. الرئيس التركي رجب أردوغان يشكك بالروايتين الإيرانية والإسرائيلية".
واستطرد الباحث السوري: "عموما أنا لا أقول أن إيران وإسرائيل أصحاب، بل التصعيد الأخير كان مُنسقا عبر (الوسطاء) وحسابات كل طرف أهم لديه من الدخول بصدام، ولا مانع عند إيران بعدم قيامها برد فعلي على مقتل قياداتها طالما أنها تستثمر مقتلهم لتحقيق مكاسب سياسية".
الأكاديمي العراقي لقاء مكي قال إن "الصراع (المحسوب) بين إيران وإسرائيل انتهى بضربة غامضة على أصفهان، اعتبرتها تل أبيب كافية، ولم تعتبرها طهران مدعاة للرد".
وأضاف مكي: "انتهى السجال دون حرب، وعاد الحديث عن مهاجمة رفح، والتنكيل بغرة، مع فارق ما كسبته بعد مناورتها الإيرانية من دعم غربي متجدد، ووحدة داخلية".
وأشار الى أنه "من فوائد المناوشة الإيرانية الإسرائيلية، أنها رسمت إلى حد كبير مستقبل المنطقة: محوران رئيسيان، الأول إسرائيلي مع دول التطبيع، والثاني إيراني مع قواه من خارج الدول، لكن الثاني سيكون بلا أنياب، بل مجرد عدو صوتي (عاقل) ومفيد، وملتزم بما يسمى ( قواعد الاشتباك)".
أما الأكاديمي والإعلامي الكويتي علي السند علق بالقول: - ضربة إيرانية "محدودة" لإسرائيل. - يقابله رد إسرائيلي "محدود" على إيران. وبهذا المشهد تنتهي الحرب المُنتظَرة بين الطرفين.. ليعود الاحتلال الصهيوني ويتفرغ لإكمال حرب الإبادة الجماعية على غزة..".
وكتب الدكتور في جامعة جونز هوبكنز الأميركية خليل العناني: "للحائرين في تفسير ما جرى… الصفقة واضحة بين بايدن ونتانياهو وملامحها كالتالي: ضربة رمزية لإيران + منع نشوب حرب إقليمية + انقاذ بايدن داخليا - مقابل - الفيتو الأمريكي ضد إقامة دولة فلسطينية + منطقة عازلة شمال غزة + رفح ومحور فلادلفيا + صفقة سلاح كبرى + التطبيع"، مشيراً الى أن "الفلسطينيون هم دوما من يدفعون الثمن. وما خفى أعظم".
بدوره علق الكاريكاتير عمار آغا القلعة أنه: "كل يوم تتضح الحقيقة التالية أكثر.. إيران قدمت غزة قرباناً لتثبيت نفوذها. وكل يوم يزداد طرح السؤال التالي إلحاحاً.. من سيكون القربان التالي..؟".
الى ذلك قال الصحفي في قناة الجزيرة ماجد عبدالهادي إن "مستوى الردود والردود المضادة بين إيران وإسرائيل لا يعني سوى أن (الريموت كونترول) في يد المايسترو الأميركي مازال يعمل بفاعلية"، مضيفاً أن "الحرب مازالت مجرد تهديد، يفتح شهية العرب، كالمعتاد، على شراء أسلحة لا فائدة تُرتجى منها، إن في وقف النفوذ الفارسي أو في مواجهة الغزو الإسرائيلي".
وذكرت مريم زريرا أن "من يتابع سلوك إيران في سوريا منذ 13 عاما، سيعلم أن الرد على الهجوم الإسرائيلي الليلة الماضية على #أصفهان شبه مستحيل!".
وأشارت الى أن "إيران ضربت عشرات المرات وقتل لها قادة كبار في الجيش والحرس الثوري، ولم تنتقم ولم تفكر في الانتقام، ولو لم يستهدف نتنياهو عمدا القنصلية الإيرانية في دمشق لما اضطرت إيران إلى الرد، لأن قصف القنصليات والسفارات هو إعلان حرب حسب الأعراف الدبلوماسية والعسكرية الدولية".
وأضافت: "الآن الجميع مرتاحون لما جرى، تمكنت إسرائيل من تنفيذ انتقامها الصغير عبر وكلائها في إيران وربما بطائراتها الشبح. وإيران منذ ساعات وهي تقلل من أهمية ما حدث الليلة الماضية، وتنفي وقوع هجوم مباشر من قبل إسرائيل ولا تخطط طبعا للانتقام".
واختتمت الكاتبة زريرا حديثها بالقول: "كل شيء انتهى بشكل جيد لكلا البلدين لأنهما اساسا لا يملكان نية الدخول في أي حرب"، منوهة الى أن "المسرحية انتهت، انتبهوا جيدا الآن لما سيجري في رفح! غزة وفلسطين هي البوصلة الحقيقية للصراع".
الى ذلك رأى رئيس منتدى الشرق وضاح خنفر أن "الهجمات الإسرائيلية على إيران سوف تُقدم من قبل إسرائيل لجمهورها على أنها الرد الإسرائيلي (الحازم) على الرد الإيراني، وعندما تعتبر إيران أن هجمات لم تقع فهذا يعني نهاية مسلسل الرد"، وقال إنه "على الأرجح ان الضربات اختارت بالفعل أهدافا هامشية لكي لا تستدعي ردا إيرانيا".
يأتي ذلك في حين تحدث وسائل إعلام عربية وإسرائيلية عن "موافقة الإدارة الأمريكية على عملية عسكرية في رفح جنوبي قطاع غزة مقابل عدم تنفيذ هجوم إسرائيلي ضد إيران".
ورغم المزاعم الإيرانية ومزاعم ميليشياتها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا الى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي وبدعم أمريكي تواصل حربا مدمرة على غزة منذ ستة أشهر، خلفت أكثر من 110 آلاف قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
*المصدر أونلاين