الرئيسية > اقتصاد > السفينة الغارقة نقطة تحوُّل في حرب البحر الأحمر

تبعات اقتصادية وبيئية..

السفينة الغارقة نقطة تحوُّل في حرب البحر الأحمر

باتت السفينة البريطانية الغارقة "روبيمار" نقطة تحول في حرب البحر الأحمر وسط مخاوف يمنية من حدوث تلوث يهدد البيئة البحرية جراء غرق السفينة التي كانت محملة بكمية كبيرة من الأسمدة.

ويعيش اليمن على وقع تطورات متلاحقة على المستويات كافة بسبب ما يجري في البحر الأحمر وباب المندب ومختلف الممرات المائية، التي أثرت بنحو بالغ في الاقتصاد الوطني والعملة المحلية، في ظل انقسام استعصى على الجهود الدولية والأممية كافة، وفشلها حتى الآن في تحقيق أيّ اختراق لتضييق الفجوة المتوسعة بصورة مؤثرة بمعيشة معظم سكان البلاد.

يأتي ذلك في الوقت الذي تواصل فيه أحداث البحر الأحمر وحرب السفن في مختلف الممرات المائية اليمنية إلقاء المزيد من الأعباء الاقتصادية والمعيشية والإنسانية والصراع الاقتصادي في البلاد، مع تصاعد الأحداث وتشعّبها، حيث تستهدف جماعة الحوثي للشهر السادس على التوالي السفن التجارة الإسرائيلية والمتوجهة إلى موانئها بسبب عدوانها المتواصل على قطاع غزة.

ودخلت الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر منعطفاً خطيراً، مع استمرار الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بشنّ ضربات عسكرية تستهدف صنعاء وعدة محافظات يمنية منذ مطلع العام الحالي 2024، إذ يرافق ذلك ما يعتبره كثيرون دعاية مضللة تغذي الاضطراب الحاصل في الممرات المائية والأسواق، سواء المحلية أو الدولية، في ظل تجاهل وتغطية واضحة لما ترتكبه دولة الاحتلال الإسرائيلي من حصار ومجازر في غزة.

الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الأحداث الناتجة من حرب السفن دخلت كما يلاحظ في وسائل الإعلام مرحلة خطيرة تغذي بؤر الصراع الاقتصادي والسياسي المحلي، وخصوصاً الفترة القليلة الماضية منذ استهداف السفينة البريطانية "الغامضة"، حسب توصيف مقبل، حيث تتركز عملية تصاعد الأحداث باتجاه واحد لتأجيج الصراع المحلي مع بروز المخاوف الحكومية من حدوث تلوث يهدد البيئة البحرية اليمنية جراء غرق السفينة "روبيمار" التي يقال إنها كانت محملة بكمية كبيرة من الأسمدة الخطيرة.

وتعرضت السفينة البريطانية "روبيمار" في 19 فبراير/ شباط لاستهداف من قبل القوات البحرية التابعة للحوثيين التي تؤكد إصابتها بشكل بالغ، ما أدى إلى توقفها ومن ثم غرقها وسط أنباء تشير إلى حدوث تسرّب بيئي خطير من هذه السفينة.

وضع مقلق

يواصل مقبل رسم صورة مشوشة ومقلقة بوضع مجموعة من التساؤلات عن هذه السفينة، ويقول: ما الذي كانت تحمله؟ وهل مرورها كان مقصوداً لكي يجري استهدافها ومن ثم غرقها بهذه السهولة، بالرغم من استهداف أكثر من 50 سفينة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ولم يحصل أن غرقت أي سفينة؟

كانت الحكومة المعترف بها دولياً في عدن قد وجهت في 24 فبراير/ شباط الماضي بتشكيل لجنة طوارئ من الجهات المعنية للتعامل مع ما سمّته أزمة السفينة "روبيمار" التي تحمل علم "بليز" وكانت على متنها كما تقول الحكومة حمولة كبيرة من مادة الأمونيا والزيوت والمواد الخطرة، ما يشكل ما اعتبرته تعدياً خطيراً على الحياة البحرية.

وتفيد الحكومة في عدن بأنها شكلت خلية أزمة لوضع خطة طارئة للتعامل مع الموقف، ونظراً للإمكانات المحدودة، تؤكد أهمية مساندة جهودها بشكل عاجل، في حين تحذر وزارة النقل الحكومية من التهديدات البيئية الكبيرة جراء التلوث وتدمير الثروة البحرية بسبب الاستهداف المتواصل للسفن.

ومن جانبها، تحمّل سلطة الحوثيين في صنعاء الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا المسؤولية الكاملة عن عملية عسكرة البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب وعرقلة حركة الملاحة الدولية، مشيرةً إلى أن هاتين الدولتين وجدتا في الموقف اليمني الإنساني مع مظلومية الشعب الفلسطيني مبرراً مخادعاً لوجودهما العسكري في البحرين الأحمر والعربي.

من جانبه، يتطرق الباحث الاقتصادي رشيد الحداد في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى ما يصفها بالدعايات الأميركية المضللة التي أثارت مخاوف شركات الشحن العالمية وأدت إلى ارتفاع أجور شحن ونقل الحاويات من الأسواق الدولية إلى الموانئ اليمنية دون استثناء بنسبة تجاوزت 100% خلال الفترة الماضية.

انعكاسات خطيرة

وتحذر وزارة النقل الحكومية في عدن من انعكاسات خطيرة لأحداث البحر الأحمر على الاقتصاد اليمني ونشاط الموانئ في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، جراء توقف سلاسل إمداد النفط والغذاء وبقية السلع، وكذا ارتفاع أجور النقل البحري ورسوم التأمين بصورة مضاعفة، إضافة إلى الانعكاسات السلبية على حياة المجتمع والاقتصاد بشكل عام.

وبالرغم من ارتفاع رسوم التأمين على السفن والحاويات على مستوى العالم، إلا أن رسوم التأمين ومخاطر الحرب فرضت على اليمن منذ عام 2015 بحسب حديث الحداد، ولا تزال دون تغيير، رغم حديث حكومة عدن عن تقديم وديعة تأمينية، وفق الباحث الاقتصادي، لرفع هذه الآثار، إلا أنها عجزت عن دفع نحو 52 مليون دولار وديعة تأمينية للسفن.

بالمقابل، يرى خبراء اقتصاد أن تصاعد الأحداث يأتي في ظل توسع مظاهر اقتصاد الحرب مع استمرار الصراع بين سلطتي صنعاء وعدن، التي تتجلى في التحايل على الاقتصاد الرسمي وتدميره، ونمو الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الخفيّ، وإنشاء كيانات موازية مهمتها الجباية وإدارة المال العام خارج إطار الدستور والقانون، وطغيان السلب والنهب والابتزاز والعنف ضد المواطنين بهدف السيطرة على الأصول المربحة.

كذلك يتّسم اقتصاد الحرب، في ظل كل هذه المتغيرات والتطورات المتلاحقة، باللامركزية من حيث تعزيز نفوذ المحافظات على الموارد السيادية على حساب دور الدولة المركزية، وتنمو فيه ظاهرتا التهرب الضريبي والتهريب الجمركي مع ارتفاع تكاليف الشحن البحري، إضافة إلى قطع الطرق وحصار المدن.

في السياق، أتت الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن، السويدي هانس غروندبرغ، إلى مجلس الأمن في منتصف فبراير/ شباط الماضي لتضيف المزيد من الضبابية والمخاوف بسبب الوضع في اليمن والمنحى الجديد للصراع الاقتصادي في البلاد، إذ شدد على أن مشهد الوساطة أصبح أكثر تعقيداً الآن بالنظر إلى أن الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق تعصف بها أولويات ومصالح مختلفة.

وقال إن تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب في غزة، وبشكل خاص التصعيد العسكري في البحر الأحمر، يؤدي إلى تباطؤ وتيرة جهود السلام في اليمن.

يأتي ذلك بالرغم من محاولاته، كما قال، لعزل عملية السلام عن "الديناميات" الإقليمية الأوسع، إلا أن الواقع يبرهن بأن جهود الوساطة في اليمن لا يمكن النأي بها عمّا يحدث، فما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر في اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر في المنطقة.

الخبير الاقتصادي مطهر عبد الله، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن هناك بالفعل تغيرات جذرية في المشهد اليمني الذي أصبح محكوماً بتطورات حرب السفن في البحر الأحمر، التي تأتي امتداداً للصراع الذي كان دائراً في الممرات المائية اليمنية بين الأطراف المتنازعة مع استهداف الحوثيين لموانئ التصدير الحكومية وتوقف تصدير النفط.

ولفت إلى أن ما يجري في البحر الأحمر سيكون له تأثير مفصلي في مسار الأحداث والأوضاع المحلية والاقتصاد الوطني وعملية السلام بشكل عام.