بات اليمن على أبواب أزمة الوقود بسبب الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر والعدوان الإسرائيلي على غزة مع دخول الأحداث منعطفاً خطيراً على مستوى الممرات المائية والشحن التجاري الدولي، إذ وصل الأمر إلى تعرض عدة محافظات يمنية لهجمات صاروخية من قبل أميركا وبريطانيا في ظل توسع جماعة الحوثي باستهداف السفن الإسرائيلية والدول الداعمة لها منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وعززت مستجدات الأحداث المتصاعدة التي وصلت إلى أسواق النفط العالمية مع ارتفاع الأسعار بصورة تدريجية من مخاوف اليمنيين في مختلف المدن والمناطق من انعكاس ذلك على واردات اليمن وتراجع المعروض من الوقود وارتفاع تكاليف استيراده وأسعاره في الأسواق المحلية.
بينما تشهد عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً تجدد أزمة الكهرباء، وعودة التيار للانقطاع لساعات طويلة وسط تحذيرات من خروج محطات التوليد كلياً عن العمل.
اضطراب الأسواق
الباحث المصرفي نشوان سلام، يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مشكلة الوقود تفاقم الأزمة المالية في اليمن بالتزامن مع استشعار الأسواق المحلية لما تشهده أسواق النفط العالمية من تغيرات واضطراب وارتفاع أسعار النفط ونفاد الوقود من محطات توليد الكهرباء. وأضاف: "يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان البنك المركزي اليمني عن بدء استخدام الدفعة الثانية من الوديعة السعودية المخصصة لتمويل الواردات مثل الوقود حيث يستورد اليمن معظم احتياجاتها من الخارج".
في السياق، عاشت صنعاء ومدن يمنية أخرى أياما عصيبة اندفعوا فيها إلى محطات البنزين للتزود بالوقود تحسباً لأزمة متجددة في المشتقات النفطية بعدما مروا بليالٍ صعبة خبروها كثيراً بسبب الحرب والصراع الداخلي وذلك عشية الهجوم الأميركي البريطاني في 11 يناير/ كانون الثاني بعد تشكيل ما يسمى بتحالف الازدهار لحماية السفن في البحر الأحمر وباب المندب من هجمات الحوثيين المتواصلة حيث تؤكد سلطة صنعاء استهدافها للسفن الإسرائيلية، وسفن الدول المتعاونة معها.
وسادت العاصمة اليمنية صنعاء حالة من الهلع في أوساط المواطنين، قبل أن تعود الأوضاع إلى وضعها المعتاد الذي يشوبه الحذر الشديد من تسبب تصاعد الأحداث في البحر الأحمر وخليج عدن في خنق تجارة الوقود وتعقيد استيراده عبر ميناء الحديدة شمال غربي اليمن.
وفي صنعاء، تدافع المواطنون واصطفت المركبات أمام عدة محطات لتعبئة البنزين وسط وشمال وجنوب العاصمة اليمنية صنعاء، في وقت سابق، إضافة إلى تدافع المواطنين وازدحامهم في طوابير أخرى طويلة أمام محطات التعبئة الخاصة بغاز الطهو.
مخاوف شح الوقود
المواطن عماد المشني، أفاد في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنه توجه صباحاً لإحدى محطات الغاز المنزلي لتعبئة قنينة الغاز بكمية طارئة حيث كان ينتظرهم في المنزل اجتماع عائلي أسبوعي اعتادوا عليه. وأضاف أنه فوجئ عند توجهه إلى أقرب محطة من موقع سكنه شمال غربي صنعاء بوجود طابور طويل أمام المحطة من قبل مواطنين يريدون تعبئة أكثر من قنينة لغاز الطهو المنزلي، الأمر الذي اضطره للوقوف في الطابور لمدة وصلت إلى أكثر من أربع ساعات حتى وصل دوره، إذ اضطر لطلب تعبئة 20 لتراً بدلاً من 5 لترات التي أرادها بشكل طارئ للتعامل مع المتطلبات المنزلية العاجلة. لم تستمر هذه الحالة أكثر من يومين قبل أن تعود الأوضاع إلى حالتها السابقة مع توفر البنزين الذي يتم تداوله بالتسعيرة الجديدة المرتفعة التي فرضتها السلطات المعنية في اليمن قبل نهاية العام 2023.
ويبدي عامل في محطة بنزين، أيمن مصطفى، لـ"العربي الجديد"، استغرابه من الهجوم المفاجئ والمباغت للسيارات والمركبات منذ الصباح الباكر أمام محطات التعبئة التي يعمل فيها ولا يدري ما هي المشكلة التي حصلت حتى يسارع ملاك المركبات للاصطفاف في طوابير؟
حالة استنفار
من جانبه، أكد عامل آخر في محطة تعبئة للبنزين ماجد عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، أن هناك توفراً لجميع أنواع الوقود ليس على مستوى المحطة التي يعمل فيها بل في مختلف المحطات العاملة في العاصمة اليمنية صنعاء. ورصدت جولة لـ"العربي الجديد"، ما تعيشه بعض المدن اليمنية من حالة قلق واستنفار بسبب تطورات الأحداث المتلاحقة في البحر الأحمر وتبعاتها المتوقعة على الأسواق وتجدد أزمات الوقود التي عصفت باليمن طوال السنوات الماضية من عمر الحرب والصراع التي شهدتها البلاد.
المواطن هاني شرف، من سكان مدينة عدن، قال لـ"العربي الجديد"، إن مثل هذه الأزمات لا تتوقف عند حدود مناطق أو مدن معينة في اليمن في ظل تعدد السلطات الحاكمة، بل تشمل جميع المحافظات والمدن مثل عدن المتخذة عاصمة مؤقتة من قبل الحكومة المعترف بها دولياً والتي شهدت ارتفاعا مفاجئا للبنزين أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين.
وتتداول صنعاء وعدن ومختلف المدن في اليمن منذ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تسعيرة جديدة للوقود، بعدما أقرت السلطات المعنية في صنعاء إضافة 500 ريال إلى السعر المتداول لكل من البنزين والديزل، فيما زادت الصفيحة الواحدة من البنزين في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دولياً بنسبة تزيد على 10%.
ارتفاع الأسعار
وبموجب قرار الشركة اليمنية العامة للنفط التي تديرها سلطة الحوثيين في صنعاء الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2023، زاد سعر صفيحة البنزين (20 لتراً) من 9000 ريال إلى 9500 ريال، فيما زادت الصفيحة الواحدة من البنزين في عدن إلى 25700 ريال من 25000 ريال (17 دولارا)، علماً أن هناك نظامين مختلفين لتداول العملة المحلية إذ يصل سعر صرف الريال في عدن ومناطق الحكومة اليمنية إلى نحو 1540 ريالا للدولار الواحد، ونحو 530 ريالا في صنعاء.
أكد عامل آخر في محطة تعبئة للبنزين ماجد عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، أن هناك توفراً لجميع أنواع الوقود ليس على مستوى المحطة التي يعمل فيها بل في مختلف المحطات
وعزت السلطات اليمنية في كل من عدن وصنعاء غلاء الوقود إلى ارتفاع تكاليف الواردات التي زادت خلال الفترة الماضية نتيجة للأحداث المتصاعدة في المنطقة، بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة وحالة الاضطراب وعدم الاستقرار في أسواق النفط العالمية. ويستبعد الباحث الاقتصادي منير القواس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تكون هناك أزمة مستفحلة في الوقود كالتي شهدها اليمن خلال السنوات الست الأولى للحرب والصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015، إذ تسبب ذلك في أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة.
ويرى أن هناك توجها أمميا وعربيا وخليجيا لإيجاد حل نهائي للصراع في اليمن وفق خريطة الطريق المتوافق عليها أخيراً من قبل جميع الأطراف، والتي من أهم بنودها تسهيل دخول الواردات من الوقود والغذاء عبر ميناء الحديدة الذي يخدم المناطق والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين ومختلف الموانئ اليمنية الأخرى، مشيراً إلى أن مثل هذه الأوضاع لا تخلو في نهاية المطاف من المستغلين الذين تعودوا استثمار مثل هذه الأوضاع والتطورات المتصاعدة للأحداث بهدف تحقيق مكاسب خاصة على حساب معاناة المواطنين.