الرئيسية > محلية > "مندب برس" يقرأ أبعاد التصعيد العسكري الأخير على الحدود اليمنية السعودية وعلاقته بمؤتمر جنيف (تقرير خاص)

"مندب برس" يقرأ أبعاد التصعيد العسكري الأخير على الحدود اليمنية السعودية وعلاقته بمؤتمر جنيف (تقرير خاص)

"مندب برس" يقرأ أبعاد التصعيد العسكري الأخير على الحدود اليمنية السعودية وعلاقته بمؤتمر جنيف (تقرير خاص)

في الوقت الذي طغى الحديث عن حوار جنيف، والمساعي الأممية لإقناع الفرقاء اليمنيين للمشاركة فيه، على المشهدين السياسي والإعلامي، جاءت التطورات الميدانية على الحدود بين اليمن والمملكة، لتقفز إلى صدارة المشهدين، لا سيما إطلاق صاروخ "سكود" من الأراضي اليمنية، باتجاه الجنوب السعودي، وهو ما اعتبره كثير من المتابعين والمحللين منعطف هام في سياق الحدث اليمني، قد يؤسس لمرحلة جديدة في مستقبل العملية السياسية اليمنية، وكذا عمليات التحالف العربي ضد مليشيات الحوثي وقوات علي عبد الله صالح.

 

ففي منتصف ليلة الجمعة الماضية، تحدثت وسائل الإعلام السعودية، وفي مقدمتها وكالة "واس"، وكذا التلفزيون الرسمي وتلفزيون العربية، والعربية الحدث، عن تصدي الجيش السعودي، لهجوم واسع على قطاع جازان على الحدود مع اليمن، شنه تشكيل تابع لما كان يعرف بـ"الحرس الجمهوري"، ولعل اللافت أن هذه هي أول مرة تتحدث فيها السلطات السعودية عن قوات الحرس الجمهوري بشكل منفرد، تماما، أو مع الإشارة الهامشية إلى مساندة عناصر من مليشيا الحوثي.

 

وفي اليوم التالي، كان الحديث عن هجوم هو الأقوى من نوعه منذ بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي قبل أكثر من 70 يوم الذي تشنه قوات يمنية، على المناطق الجنوبية في المملكة، بالإضافة إلى إطلاق صاروخ "سكود" لأول مرة منذ بدأت عمليات التحالف.

 

من يسعى لإفشال جنيف ؟

 

لا يمكن عزل التصعيد الميداني الخطير في الحدود بين اليمن والمملكة، عن ما حدث ويحدث من مساعٍ ومفاوضات لحضور حوار جنيف، وهو الحوار الذي أبدت كل الأطراف اليمنية الموالية للشرعية، وكذا التحالف العربي وفي المقدمة المملكة العربية السعودية استيائها من إصرار الأمم المتحدة على إقامته، رغم أن الحوثيين لم يقوموا بتنفيذ ولا بند واحد بنود قرار مجلس لأمن رقم 2216.

 

تستخدم الأمم المتحدة في محاولاتها الضغط على الأطراف اليمنية، والإقليمية للمشاركة في حوار جنيف، مسألة تدهور الوضع الإنساني في اليمن، وهو الأمر الذي بات فعلا محرجا للتحالف، بسبب رفض الحوثيين وقوات صالح الإنصياع لقرار مجلس الأمن وغيره من الاتفاقات السابقة، الأمر الذي ساهم في مضاعفة المعاناة الإنسانية في معظم المناطق اليمنية، لذلك كان لا بد من أن تقبل تلك الأطراف المشاركة في حوار جنيف.

 

لكن الأطراف المناوئة للحوثيين، لن تقبل بأقل من تطبيق قرار مجلس الأمن 2216، وخصوصا الانسحاب من المدن، والمناطق وتسليم السلاح، والاعتراف بالحكومة الشرعية، في الوقت الذي يبحث الحوثيون وحلفائهم الخارجيين، عن فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك المكاسب التي حققوها سابقاً، وكذا لوقف عمليات التحالف ضدهم.

 

لكن السؤال هنا، إذا كان الحوثيين قد سعوا وراء حوار جنيف، فلماذا يستمرون في الحرب على الأرض، ولماذا لا يتوقفون قليلا، لإبداء حسن النية، ما دام في حوار جنيف، فرصة للحيلولة دون السقوط الكبير ؟ ، تساؤل يجيب البعض عنه بالقول إن من يتحرك على الأرض الآن هي قوات صالح، أو ما كان يعرف بـ"الحرس الجمهوري".

 

ما موقف صالح من مؤتمر جنيف ؟

 

حينما غادر وفد الحوثيين قبل أسابيع إلى العاصمة العمانية "مسقط" للتفاوض مع وفد أمريكي، حول إيجاد حلول للأزمة اليمنية الراهنة، والتي باتت تشكل مأزق حقيقي للجماعة، وقد استمرت تلك المفاوضات التي رعتها دولة عمان والحكومة الإيرانية، لعدة أيام، أثمرت طرح رؤية متكاملة للمشاركة في حوار جنيف المزمع عقده في 14 من الشهر الجاري.

 

وبينما وفد الحوثيين يفاوض الأمريكان في "مسقط"، خرج علي عبد الله صالح، في مقابلة تلفزيونية، ليعبر عن استغرابه وامتعاضه "الضمني" من ذهاب الحوثيين إلى عمان منفردين، وهو ما فسره مراقبون على أن الحوثيين ذهبوا إلى عمان، بدون تنسيق معه، وبالتالي فهم يبحثون عن مخرج بعيدا عن الرجل الذي بات متورطاً بهم، تماما كما هم متورطون به.

 

أعقب تصريحات علي عبد الله صالح، لقناة "الميادين" حملات رفض شنتها وسائل إعلام محسوبة على صالح، للمباحثات الحوثية الأمريكية في مسقط، بعمان، خصوصا بعد أن تسربت معلومات من مصادر مقربة من الحوثيين، أفادت بأن وفد الجماعة، وافق على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، وعلى وجه الخصوص الانسحاب من المناطق والمدن، وأنه يجري النقاش حول بعض القضايا الإجرائية، مقابل انعقاد مفاوضات في جنيف، برعاية أممية، وبدون شروط مسبقة.

 

وفعلا أعلنت الجماعة أنها ستشارك في جنيف، بدون شروط، في مقابل ضغط الأمم المتحدة، وكذا واشنطن على الحكومة اليمنية والسعودية للقبول بالمشاركة في حوار جنيف بدون شروط، وهو ما تم بالفعل، حيث أعلنت الحكومة اليمنية، أنها ستشارك في الحوار، المرتقب، دون إشارة إلى أي شروط بخلاف ما كانت تطرح في بداية الأمر.

 

لكن ماذا يعني تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 بالنسبة للحوثيين وعلي عبد الله صالح ؟، بالنسبة للحوثيين، تنفيذ القرار أفضل بكثير من استمرار الحرب، في ظل التخاذل الذي أبدته إيران إزاء الجماعة.

 

كما أن القرار سيحافظ على ما حققته الجماعة من مكاسب خلال السنتين الماضيتين، رغم أنه نص على الانسحاب من المناطق، إلا أن الجماعة تمتلك القدرة على المراوغة، والتحايل على تلك البنود، بما يمكنها من الحفاظ على تواجدها ميدانيا، فضلا عن تواجدها السياسي والاجتماعي، أما بالنسبة لتجميد الأموال والمنع من السفر، فهذين البندين لا يشكلان أي معضلة بالنسبة للحوثيين، فليس لدى الجماعة أموال مكدسة في بنوك أوروبا ولا الخليج، فضلا عن انكفائها السابق وعزلتها، فهي ليست قلقلة من منع قياداتها من السفر.

 

لكن بالنسبة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، فالأمر يختلف تماما، ذلك أن قرار مجلس الأمن يعني طي صفحته إلى الأبد، فضلا عن أن القرار سيجرد صالح من معظم وسائل القوة التي لا تزال بيده، وفي المقدمة الجيش، أي أن صالح سيخسر كثيرا كرئيس سابق يسعى لاستعادة السلطة، وهذا قد يمثل سببا كافيا لاعتراضه ورفضه المشاركة في حوار جنيف.

 

لا شك أن صالح يرى في موافقة الحوثيين على تطبيق قرار مجلس الأمن خذلان له، لذلك يرى مراقبون أنه بادر إلى التصعيد من خلال دفع الحرس الجمهوري إلى تصعيد عملياته ضد المملكة، سواء من خلال عمليات الهجوم الأخيرة، أو من خلال إطلاق صواريخ سكود، المحرمة دوليا.

 

السعودية وجنيف

 

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإنها ترى في مؤتمر جنيف، محاولة أممية أمريكية لإنقاذ جماعة الحوثي، التي أنهكتها ضربات التحالف العربي منذ أكثر من 70 يوماً.

 

وهذا بحسب مراقبين تحدثوا لـ"مندب برس"، ما دفع المملكة إلى تضخيم العمليات الأخيرة التي انطلقت من الحدود اليمنية، واستهدفت قطاعات جنوبية، ولأول مرة منذ بدأت عمليات التحالف ضد الحوثيين وصالح، تحدثت السلطات السعودية عن عمليات قام بها "الحرس الجمهوري" التابع للمخلوع، واصفةً الهجوم بـ"الواسع".

 

كما أن المملكة أعطت عملية إطلاق صاروخ "سكود" باتجاه أراضيها ، مساحة كبيرة في الخطاب، معلنة رفع حالة الجاهزية والتأهب في المناطق الحدودية للتصدي لأي هجوم محتمل، بل وأرسلت قوات كبيرة إلى المناطق الحدودية في مؤشر على تحول جذري ستشهده الأيام القادمة في الميدان.

 

يرى مراقبون أن المملكة أرادت أن تتحول الحرب بالنسبة لها، بدلا من كونها حرب جاءت بناء على طلب الحكومة الشرعية في اليمن، إلى حرب للدفاع عن الذات، خصوصا بعد أن وصل الأمر حد إطلاق صواريخ محرمة إلى الأراضي السعودية، أي أن الأمر الآن بات يخص السيادة السعودية، وبالتالي فالرياض في حل من أي مفاوضات أو حوار في جنيف أو غيرها.

 

ولا يُستبعد أن السعودية سمحت لقوات الحرس الجمهوري المدعومة من الحوثيين، بتنفيذ العمليات الأخيرة، لاستغلالها كورقة في التعاطي مع المساعي الدولية لإيقاف العمليات ضد الحوثيين، فالأمر الآن تعدى إلى الدفاع عن الأراضي والسيادة.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)