الرئيسية > محلية > الحرب تتجه نحو التعقيد في ظل تعثر جهود التسوية وإصرار كل طرف على انتظار ساعة النصر

الحرب تتجه نحو التعقيد في ظل تعثر جهود التسوية وإصرار كل طرف على انتظار ساعة النصر

المتحاربون اليمنيون يؤمنون كثيرا بالمقولة الشائعة «النصر صبر ساعة» والحرب الراهنة في اليمن طحنت جميع الأطراف المتحاربة، في الجانبين الانقلابي والحكومي، وكلهم في انتظار «ساعة النصر» التي لم تحالفهم بعد، في محاولة كل منهم تحقيق حلمه وراء هذه الحرب المجنونة ولو في اللحظات الأخيرة.
الحوثيون لم يعد في جعبتهم شيئا وجيها يمكن أن يقدمونه لإقناع الناس بسلامة المعركة التي يخوضونها منذ أكثر من عامين ضد شعبهم الذي يسعون إلى حكمه بقوة السلاح، فقد قدموا نماذج كارثية لسلطتهم في كل المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وتبخرت كل الوعود والأحلام الوردية التي كانوا يمنّون الناس بها في حال تسلموا مقاليد الحكم في البلد. 
وما زال الحوثيون مصممون ومصرون على استمرار المعركة الراهنة بكل مآسيها وكوارثها، برفضهم كل خطوة إيجابية نحو إحلال السلام في اليمن، وفقا للمرجعيات المحلية والإقليمية والدولية التي تم التوافق عليها منذ وقت مبكر، وكل ذلك من منطلق الصبر على جراحات الساعة الأخيرة الصعبة والمريرة في هذه الحرب، علّ النصر يكون حليفهم، رغم أن أمد هذه الساعة الأخيرة امتد طويلا حتى الآن منذ نهاية العام 2014 ولم يحققوا غايتهم في استمرار هذه الحرب. 
وهكذا الحال بالنسبة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الحليف القوي والداعم الأساسي للانقلابيين الحوثيين، حيث لم يكن في باله خوض معركة طويلة ومدمرة بهذا الحجم، والذي وقع في شر أعماله، وفقا لتقارير خبراء عسكريين، الذين أشاروا إلى أنه ارتكب أكبر خطأ في تاريخه السياسي، بعد أن كان يتغنى طوال فترة حكمه الممتدة لنحو 33 سنة بأنه (سيّد الحوار) في حل الخلافات وأنه ينبذ العنف في حسم الاختلافات، ولم يدر في خلده أنه يمكن أن يأتي يوم في حياته يساهم فيه بتدمير كل ما بناه خلال فترة حكمه الطويلة من قوة عسكرية وأمنية ومخزون استراتيجي مالي في الداخل والخارج لتعزيز سلطته التي كان يطمح أن يورثها لابنائه وأفراد عائلته. 
قد يكون صالح هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب كطرف سياسي، لأنه دمّر كل ما بناه لنفسه ولعائلته، وفوق ذلك قدّم جيش النخبة (الحرس الجمهوري) لقمة سائغة لحلفائه الانقلابيين الحوثيين بتدميره عبر الدفع به نحو اجتياح المدن في وسط وجنوب اليمن، والتي كان من المفترض أن يكون حارسها الأمين، لكن صالح سخّر هذه القوات النخبوية لتكون أداة بيد الحوثيين لمجرد الانتقام من خصومه السياسيين، فدمّرها بشكل مهين بعد أن كان يعوّل عليها كثيرا في حماية البلد.
وكشف صالح أوراقه كلها بهذه الطريقة التي تخلو من الحكمة وانفضح بأنه كان يبني الحرس الجمهوري ليس لحماية البلد ومصالحه وإنما لحماية نظامه الحاكم، بتسخيره ليكون أداة طيّعة في يد الانقلابيين الحوثيين لتدمير المدن والبلدات اليمنية والذي دمّر مع ذلك أحلامه في إمكانية توريث السلطة لابنه أحمد أو خالد أو صلاح أو غيرهم، سواء على المدى القريب أو البعيد.
الحكومة الشرعية، عجزت هي الأخرى عن تحقيق الحسم عسكريا على الطرف الانقلابي، لكنها تمكنت إلى حد ما من قلب المعادلة لصالحها بسيطرتها على نحو 80 في المئة من الأرض بعد أن كانت قوات الانقلابيين، تسيطر على نسبة قريبة من ذلك قبيل تدخل قوات التحالف العربي على خط المواجهة بين الطرفين الحكومي والانقلابي.
غير أن إطالة أمد الحرب تسببت في الكثير من الحرج للحكومة الشرعية ولقوات التحالف في ضرورة الاستمرار في المواجهات العسكرية ضد الانقلابيين حتى استعادة الدولة المختطفة، وإعادة السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء ولو بعد حين، لأنه في حال عدم تحقيق ذلك تكون كل هذه الخسائر البشرية والمادية الكبيرة ذهبت هدرا بل وخلقت جروحا غائرة في أعماق الانقلابيين، وشروخا مجتمعية كبيرة في أوساط المجتمع اليمني بسبب الجراحات التي رافقت هذه الحرب والتي تعرض لها مختلف الأطراف، وفي مقدمتهم المجتمع اليمني الذي حظي بنصيب الأسد من الخسائر البشرية والمادية.
ووفقا للعديد من المحللين السياسيين والعسكريين، لم يعد أحد من أطراف النزاع في اليمن قادرا على استمرار المواجهات العسكرية ولم يعد من مصلحته استمرار الحال على ما هو عليه الآن، غير أن كل طرف يحاول الاستماتة في الصبر على مرارة اللحظة الأخيرة، عبر رمي آخر ما في جعبته من سهام ومن أوراق سياسية علّها تنقذه في تحقيق أي مكاسب من هذه الحرب ولو حتى (نصرا مزيفا) وبالتالي يصرّ كل طرف على التشبّث بمواقفه التي يتمترس وراءها من أجل تحقيق أي مكاسب ولو على حساب خسائر الشعب المغلوب على أمره الذي عانى الأمرين خلال هذه الحرب والذي أصبح يطمح إلى السلام بأي ثمن.
طبعا البون شاسع جدا بين دوافع الانقلابيين ومنطلقات الحكومة وراء هذه الحرب، ففي حين يرى الانقلابيون في ضرورة التقاط الفرصة للانقضاض على السلطة وتحقيق حلمهم في حكم البلاد مهما كلفهم ذلك من خسائر بشرية أو مادية طالما وأنهم يقاتلون بأبناء غيرهم وليس بأبنائهم ومصادر دعمهم بالسلاح والمال وافرة، تنطلق الحكومة من منطلق مسؤوليتها الدستورية والقانونية في ضرورة حفاظها على الدولة من خلال القضاء على المحاولة الانقلابية التي تتجاوز المصالح الشخصية لرئيس الدولة ولأعضاء حكومته في البقاء في السلطة إلى الحفاظ على مصالح الشعب التي ستضرر كثيرا جراء تسليم السلطة للانقلابيين الحوثيين ونظام الرئيس السابق علي صالح.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)